Advertise here

النظام السوري قلق من تمدد تظاهرات السويداء

17 حزيران 2020 10:55:00 - آخر تحديث: 17 حزيران 2020 16:14:05

تعيش مدينة السويداء جنوب سوريا، ومعها بضع مدنٍ سورية أخرى، احتجاجات ملفتة، ضد غلاء الأسعار وتردي سعر صرف الليرة السورية، وذلك قبل أيام من بدء تطبيق "قانون قيصر"، والذي يشتمل على عقوبات أميركية قاسية قد تشلّ الاقتصاد السوري المتداعي بالفعل. ولم يمنع التشديد الأمني من المطالبة برحيل بشار الأسد ومحاسبة الفاسدين. كما كان لافتاً أيضاً رفع شعارات جديدة، تطالب بخروج روسيا وإيران من سوريا، داعيةً لحرية البلاد، إذ هتف المحتجون: "سوريا حرّة حرّة، إيران وروسيا برّا"، و"يرحم روحك يا سلطان، البلد صارت لإيران".

وأظهرت مقاطع فيديو تمّ تداولها على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، متظاهرين يجوبون الشوارع الرئيسية والساحات في السويداء، وهم يردّدون شعارات مناهضة للحكومة والتي تتشابه كثيراً مع تلك التي ترددت لدى اندلاع الاحتجاجات في سوريا لأول مرة عام 2011، وذلك في وقتٍ تحدثت فيه أنباء عن تظاهرات مناهضة للرئيس الأسد في مدينة طفس بريف درعا، قرب الحدود الأردنية ردّد خلالها المتظاهرون شعارات تحمّل الأسد مسؤولية ارتفاع الأسعار.

وكانت مدينة السويداء تعيش حالة احتقان فرضتها تسع سنوات من القهر، بعد أن كان شباب المدينة في مقدمة حراك الثورة، وذلك عندما انطلق المحامون الأحرار، في أول وقفةٍ لهم، من أمام فرع نقابة السويداء للمحامين، في 25 آذار 2011. لكن أحرار السويداء حريصون على السلم الأهلي في سوريا حيث المجتمع شبه عشائري، وبالتالي فإن أي خلافٍ سياسي يؤثر على المجتمع يتحوّل إلى خلافٍ عائلي أهلي، وذلك في الوقت الذي اعتمد فيه النظام على مجموعات من الشبيحة ممن هم أصحاب سوابق جرمية، وعاطلون عن العمل، والذين تمّ توظيفهم في قمع أهلهم. ومع تحوّل مسار الثورة إلى المنحى العنفي، ومع دخول إيران وميليشياتها إلى سوريا، انتظمت مجموعات الشبيحة تلك في ميليشيات مدعومة من إيران ومن النظام، ومنهم جماعات "الدفاع الوطني، وكتائب البعث، ونسور الزوبعة". ولكنها سرعان ما تحولت إلى مجموعات مافياوية تأتمر بأوامر فرع الأمن العسكري بعد أن توقف الدعم الإيراني لها بفعل العقوبات الأميركية على طهران. هذه المجموعات عملت، وما زالت، على خلق الفوضى في السويداء التي تعاني اليوم من انتشار الجريمة، ومن الإرهاب المنظّم، والفوضى الموجّهة من القوى الأمنية.

لم تخضع السويداء لسلطة الشبيحة وإرهابهم، فأطلقت عام 2015 حملة مدنية سلمية تحت عنوان "بدنا نعيش"، وتلك الحملة كانت بعيدةً عن الشعارات السياسية، والتزمت سقف الحراك المطلبي الخدماتي. ومع ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، جدّدت الحملة حراكها مطلع كانون الثاني العام 2020، ملتزمةً المطلب الاجتماعي الخدماتي، لكن ازدياد أعمال الفوضى والجريمة من قِبل الشبيحة في ظل الضغوط الاجتماعية والاقتصادية الخانقة، وحيث تسبّبت الحرائق، التي طالت مساحات واسعة من سهول القمح غربي السويداء، والمناطق الحرجية شرقاً، بموجة غضبٍ شعبية واسعة حمّلت مؤسّسات الدولة المسؤولية لفشلها في إخمادها، فتداعى عددٌ من النشطاء في نهاية أيار لإقامة اعتصامات متعددة للتنديد بالحرائق، والتي انبثقت منها فكرة المظاهرات الأخيرة، بشعاراتها السياسية إلى جانب العناوين المطلبية الاجتماعية، وحيث كل شيء بات يرتبط بالسياسة القمعية للنظام.

وعلى عادته، استقدم النظام عناصر الدعم الأمني من دمشق سرية 215 لقمع التظاهرات، وعزّز تحصيناته العسكرية، ونشر العديد من الحواجز، وبدأت الدوريات الأمنية تجوب الطرقات بالتوازي مع تنشيط الماكينة الإعلامية الأمنية للهروب إلى الأمام من خلال ربط مسؤولية الحراك بقوى خارجية. هذه الماكينة الإعلامية الأمنية تحرّكها عناصر من الشبيحة المرتبطة بجهاز الأمن العسكري، والتي  تتولى بثّ الأخبار الكاذبة، وتوجيه رسائل التهديد المختلفة للأهالي، ومنها ما جرى الأسبوع الفائت من تنظيم وقفة إجبارية لمؤيدي النظام استُقدم إليها الموظفون والطلاب المغلوب على أمرهم، حيث رفعوا صور الأسد وأعلام البعث. وسبق ذلك تسريب مقطعٍ صوتي لرئيسة اتحاد طلبة سوريا، وفاء العفلق، تهدّد فيه الموظفين والطلاب بالمحاسبة إذا لم يشاركوا في الوقفة التضامنية تلك، والتي اعتبرتها بالمصيرية، فيما انطلقت بالمقابل تظاهرة شبابية في ساحة الفخار امتداداً للحراك الشعبي.

مصادر متابعة لحراك السويداء كشفت لـ "الأنباء" أن "الوجوه الظاهرة في الحراك الآن هي وجوه شبابية جديدة، ما يعني أن الحراك النخبوي الذي انطلق بداية الثورة قد انتقل تدريجياً إلى الحراك الشعبي، ودافعه الجوع، والتعب، والقهر، والفوضى، وأسباب كثيرة لم يعد يحتملها أبناء السويداء". وتأتي الاحتجاجات في وقتٍ تواصل فيه الليرة هبوطها الكبير مقابل الدولار مسجلةً أدنى مستوىً لها في تاريخها. وكانت قد سجلت سقوطاً مدوياً الاثنين 8 حزيران/يونيو، عندما سجّلت نحو 3500 ليرة مقابل الدولار الواحد، فاقدةً أكثر من 280 في المائة من قيمتها منذ مطلع العام الجاري 2020، غير أن معدل انهيار العملة السورية تسارع خلال الأيام القليلة الأخيرة، حيث فقدت منذ السبت الماضي ما يزيد على 40% من قيمتها.

أمام كل هذا لا يبدو أن الحراك الاحتجاجي الحالي في السويداء قادرٌ على خفض سقف مطالبه السياسية بعدما رفعها إلى حدّها الأعلى، مع استبعاد أن تأخذ التهديدات التي أرسلتها بعض المجموعات المرتبطة بالفرقة الرابعة، والمقرّبة من الإيرانيين، منحىً عسكرياً تصعيدياً، بحيث أن النظام يتغنّى بشعار حماية الأقليات. لكن المصادر توقعت أن يلجأ النظام، كعادته، إلى معاقبة السويداء من خلال تحريك بعض المجموعات الإرهابية في المنطقة الشرقية، أو استخدام العبوات المتفجرة في أماكن مختلفة، حيث سبق أن لجأ إلى هذا المنحى مراتٍ عدة.

يخشى النظام استمرار التظاهرات الاحتجاجية في السويداء، ويخاف من تمدّدها إلى خارج المحافظة، بحيث تلاقي صدىً شعبياً في مناطق أخرى واقعةً تحت نفوذه، وهو ما قد يُخرج الأمور عن السيطرة. فإذا كانت مظاهرات إدلب المرحّبة بمظاهرات السويداء تحصيلاً حاصلاً كونها خارج مناطق سيطرة النظام، فقد بدأت بوادر التمدّد تظهر للعيان في مظاهرات صغيرة في حي الراشدين بمدينة حلب، ومدينة زاكية بريف دمشق، وطفس في ريف درعا، والتي قد تكون فاتحةً لموجةٍ ثورية جديدة تجتاح مناطق سيطرة الأسد المتهالكة وسط أزمة مالية حادة، ونفاد جعبة النظام من تقديم الحلول الاقتصادية والسياسية، في الوقت الذي كثُر فيه الحديث عن التغيير الآتي إلى سوريا.