دخلوا الى عين التينة مع كمّاماتٍ على الوجوه. خلعوها في الداخل، وخلعوا عنهم خصومة لُوّثت بالدم. نقطة بيضاء في مشهدٍ لبناني يزداد سواداً. نقطة تحمل توقيع نبيه بري.
ما من مطرقةٍ هنا يدير بها بري اللقاء بين وليد جنبلاط وطلال ارسلان. مقدّمة كلاميّة ثمّ نقاش ساده الجوّ الإيجابي والبنّاء والمنفتح على مختلف المواضيع. أحسن رئيس المجلس النيابي الإعداد للقاء المصالحة، وأعطى كلّ فريق ما يريده، من دون رابحٍ وخاسر. ميزان "جوهرجي" السياسة اللبنانيّة.
تُجمع مصادر الحزبين التقدمي الاشتراكي والديمقراطي اللبناني على إيجابيّة اللقاء. خصما السياسة في البيت الدرزي يستخدمان حتى التعابير نفسها لوصف الاجتماع ونتائجه.
اقتضاب البيان كان مقصوداً. ما قلّ ودلّ. كلّ كلمة فيه مقصودة ولها تفسير، وخصوصاً عبارة "القانون والأعراف المعمول بها لدى طائفة الموحدين الدروز". أعطي ما لجنبلاط لجنبلاط وما لأرسلان لأرسلان.
وأكد كلّ من الجانبين أنّ نيّات المجتمعين كانت حسنة، وكان النقاش شاملاً ولو أنّ الكثير من مواد النقاش تُركت للجنة التي ستجتمع قريباً، وتضمّ الوزيرين السابقين غازي العريضي وصالح الغريب، ومعهما "ملاك بري" النائب علي حسن خليل، والثلاثة حضروا اجتماع أمس وتناولوا العشاء على مائدة عين التينة.
وتشير أوساط رئيس المجلس الى أنّ الاجتماع أسّس لمناخات تنهي التشنجات، وهو ليس حلاً سحريّاً لتراكماتٍ عميقة داخل البيت الدرزي حول قضايا مثل مشيخة العقل والأوقاف، وهي أولويات أرسلان، وتصفية ذيول الأحداث الأمنية كحادثتي الشويفات وقبرشمون، وهي أولويات جنبلاط.
وتعطي مصادر بري هذا اللقاء بعدين، الأول محصور بترتيب البيت الدرزي، والثاني يشمل التحصين السياسي الذي يسعى اليه بري، في أكثر من ساحة، تقديراً منه لنوعية وحجم المخاطر التي تتهدّد لبنان، وسعيه لمواجهة مخاطر العبث بالنسيج الاجتماعي وتفجير الفتن، بفتح قنوات الحوار، وتجاوز التوترات والتشنجات بين المكونات الأساسيّة الطائفيّة والسياسيّة.
نجح نبيه بري في تحقيق إنجازٍ ثانٍ بعد ما حقّقه في اجتماع بعبدا الجمعة. في زمن كورونا الذي لم ينته في لبنان، ولو تضاءلت الإجراءات، ألغى التباعد بين جنبلاط وارسلان، وهذه مهمّة ليست سهلة أبداً.