يا ثوار 17 تشرين أين أنتم؟ يا عمّال لبنان. يا أساتذة وطلاباً. يا أصحاب المؤسّسات. يا مثقفين. يا فنانين، ويا ناشطين في حقوق الإنسان والحريات... أين أنتم من كل ما يجري؟ أين أنتم من الاعتداء على بيروت. أين أنتم من محاولة الهيمنة على المصرف المركزي، والقطاع المصرفي بشكل عام؟ أين أنتم من تهريب المازوت، والقمح، والسكّر، عبر الحدود الشرعية، وبحماية أمنية، ورعايةٍ وزارية؟ أين أنتم من الصرّافين غير الرسميين، والمعروفين لدى الجميع، من تجارة الدولار وتهريبه بوقاحة ومفاخرة إلى سوريا؟ أين أنتم من المحاصصة في التعيينات وبالعلن، وبتعيين زوجة رئيس مجلس الوزراء بأكثر من لجنة استشاريةٍ رسمية؟
واللائحة تكاد لا تنتهي من كل شواذات هذه الحكومة. شواذات يطغى الفساد عليها كلها كعنوانٍ أساسي. فيا ثوار 17 تشرين، أين أنتم من كل ذلك؟ أم أن الثورة كانت على فئة معيّنة فقط، وعندما تمّس الأمور بالفئة الأخرى، تهدأ الثورة وتستسلم لقمع القوى الأمنية وشبّيحة "الموتوسيكلات" من أينما أتوا... هل كانت ثورتكم فقط على من تعلمون مسبقاً بأنهم لن يقمعوكم، أو يعتدوا عليكم إن أسأتم إليهم بشعاراتكم ومطالبكم؟
مما لا شك فيه أن الوضع اليوم هو نتيجة سياسات الماضي الخاطئة، ولكن الوضع العام في الثلاثين سنة الماضية لم يكن يوماً أسوأ مما أصبح عليه منذ نشأة هذه الحكومة! ألم تأتِ هذه الحكومة باسمكم، وتكنوقراط (ولو مقنَّعاً) إرضاءً لكم؟
بالأمس يا ثوار 17 تشرين، أوهموكم أيضاً بمسرحية تشبه مسرحية ضريبة الواتساب، حيث ارتفع الدولار فجأة بفضل إشاعةٍ مسمومة حرّكت فيكم الحماس، إلى أن تبيّن الأمر أنه غطاء لمحاولة وضع اليد على حاكمية مصرف لبنان. ربما ارتفاع الدولار التدريجي لم يحمّسكم على الاستمرار، إنما عنصر المفاجأة في هذا الارتفاع الهائل كان الكفيل في ذلك.
يا ثوار 17 تشرين، إن عدتم، أرجو أن يكون ذلك قريباً قبل فوات الأوان. ولكن وفق مراجعةٍ جدّية للمرحلة الفائتة، وبنفَسٍ منفتحٍ على الجميع. لستم وحدكم في المصيبة، بل الجميع. ولستم أنتم فقط أصحاب قضية العيش. أسقِطوا شعارات الإلغاء، وأولها "كلّن يعني كلّن". نعم يا سادة، هناك مئات الآلاف من المواطنين الشرفاء الذين صوّتوا للأحزاب في الانتخابات النيابية ولم يندموا، إنما تجمعهم معكم نفس المصائب، ويريدون التغيير مثلكم. أتريدون محاكمة زعمائهم ورؤساء أحزابهم؟ حسناً، ولكن لماذا لا تثورون على القضاء المسيّس، وتؤمّنون استقلاليته قبل المحاكمة؟ ألا تريدون محاكمة عادلة؟ أم أنكم تريدون للبعض بأن يحكموا على أنفسهم، ويقدّموا أنفسهم على المذبح فداءً لكم، وأن يدفعوا ثمن جرمٍ ربما لم يرتكبوه؟
إن عدتم، أرجو أن تعودوا بجبهةٍ سياسية مكوّنة من خبراء اقتصاد، وقانون، وتعليم، ومكافحة فساد، وحوكمة، ومن فنّانين وناشطين حقوقيين. لقد كانت حجّتكم بالأمس أن أي ممثلٍ عنكم سوف يتعرض للابتزاز والتهديد، فكيف يمكن تهديد جبهةٍ سياسية؟ أوقِفوا الحلقات التثقيفية في ما يسمّى خيَم الثورة من قبل بعض المتذاكين... واعملوا وفق نهجٍ تعليميٍ موّحد، بعد أن تكونوا قد وحّدتم المطالب، واتفقتم عليها، وفرزتموها وفق دفتر أولويات.
هذه هي الفرصة الأخيرة للعودة. والعودة يجب أن تكون قريبة، وخطوةً واقعية مدروسة، غير إلغائية. لا لحصرية الثورة بفئةٍ معيّنة منكم. فليُفتح المجال للجميع للمشاركة، أمّا العودة للثورة في المستقبل غير البعيد، وبعد أن يكون الوضع قد ساء أكثر فأكثر، فسيكون ذلك نوعاً من الانتحار. الفقر هو الأرض الخصبة للتطرف وأعمال الفوضى، وهو الوقود لنار الحروب. لذلك تحركّوا الآن، وبجدّية قبل فوات الأوان.
*هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء"