Advertise here

الأزمةُ الاقتصاديَّة وتنظيم الاستراتيجيَّة الوطنية

13 حزيران 2020 22:09:17

يتساءلُ الباحث في الشأنِ اللبناني كيف عصفت في لبنان، من بحرهِ إلى برِّهِ، بدءاً من 17 تشرين الأول 2019، موجةُ وباء الكورونا، ومحاولة تقويض القطاعات، والسعي لخصخصةِ القطاع العام، فتكديس للمؤن وغيرها من قِبل التجَّار والمستوردين، كما التلاعُبِ بالقوانين، وفضائحِ الصفقاتِ والتعيينات، والإحجام المصرفي عن ضخِّ السيولةِ، والمضاربة في السوقِ السوداء، فالاستثمار بالصحّةِ والأدواتِ الطبيَّة، والأدوات الزراعيَّة وسواها، والتجارة الإلكترونيَّة التي تحتاج إلى بعض القيودِ والضوابط؛ بينما قطار "التعليم عن بُعد" يبقى سالكاً، في انتظارِ ورشةٍ تشريعيَّةٍ تربويَّة للبحثِ في آلياتهِ الإجرائيّةِ، فضلاً عن التوترات الإقليميّة المحيطة.

وتظلّ الحركة الدبلوماسيَّة الدوليةِ الضاغطة، في غياب نهجٍ واضحٍ للتعامل معها بجديّة، أمراً واقعاً لا مندوحة منه.

فها إنَّ المواطن المُثقل بالعذاباتِ والجراحات الحاضرةِ والماضيةِ ينتفضُ، بعد أن رزحَ تحت نير المُرابين بشتّى توجّهاتهم، ومن ينشر الأحقاد في الشوارعِ، وسط أحياءِ الأحبَّةِ التي تتآكلُها عفونة الضجر، وقلَّة الحيلة وتقطّع سُبلِ الأرزاق، إذ يبثّون الرُّعب في النفوس. 

فأين المُقاربة الوطنيَّة لهيئةِ الحُكم من خلالِ أقوالها وأفعالها!؟

إزاء كلّ هذا، يستطلعُ الباحثُ في الشؤون الداخليَّة، وقوف المجتمع، وبعض المسؤولين، بوجهِ مروِّجي شمّاعة "الحرب الأهليةِ" العنصريةِ، وسط هذه الخضَّاتِ الجِسام و"الضعضعة" في السياسة اللبنانية وتخبُّط الرُّؤى والمناهج، والمحاصصةُ الطائفيَّة في التعيينات، إلى مُستجدات النزاعات العسكرية - النفطية الدائرة خارجياً، والتنافر داخليّاً، وانعكاسِ آثارها الوخيمة على لبنان مالياً-اقتصاديّاً، وسياسيّاً-أمنيّاً، وعسكريّاً- لوجستياً.

ولا ريب أن تُطالع الباحث أيضاً أحوال بعض المنبريين، و"سكوباتهم" الصحفية الممهورة "بالشيءِ ونقيضه"، وسعيهم الدؤوب والممنهج لعدمِ تفعيل أي عمليَّة إصلاحيّة سياسيّة واقتصاديّة- ماليّة على مستوى منظومة الحُكم التي سوف تهمُّ مُجدداً بالالتفاف على مطالب الشعب المعيشيَّة والاستشفائيَّة، والعمليَّةِ والماليَّةِ، وإيهامه بالماورائيات التاريخيَّة.

إنَّ هذا الخلل الذي يطال مفاصل الحياة العامَّة والخاصة، لا يمكن له أن يستمرَّ بالوتيرة التصاعديَّة هذه، وسيكونُ لِزاماً على جميع القِوى، من دون استثناء أحدٍ منها، وسط هذه التعمية "الانعزاليّة"، من أن تُنظِّم خلافاتها الداخليَّة لتصحيح مسار الوطن ومؤسّساته.

لا ريب أنَّ النمطَين المختلفَين من التفكير "الوطني"، يجرَّان الدولة وأجهزتها، والمجتمع كله، إلى حافةِ اليأس، والقنوط، وفقدانِ أي أملٍ ورجاء، خصوصاً إنْ لم تعمَد القِوَى الفاعلةِ إلى التحاور وتنظيمِ الخلاف في ما بينها، والشروع بانتهاج مبدأ التعاون البيني للخروج من هذا المأزق اللئيم.

*هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء"