Advertise here

ارتفاع جنوني للدولار والأسعار: هل نجد ما نشتريه غداً؟

13 حزيران 2020 11:42:00 - آخر تحديث: 22 تموز 2020 13:48:59

كالنار التي يُسكَب عليها الوقود، اشتعل سعر الدولار مساء الخميس 11 حزيران، متجاوزاً مبلغ 5000 ليرة للدولار الواحد. ارتفاع السعر كان يتزايد مع تقدّم الوقت، حتى أُفيد عن بلوغ سعر الصرف نحو 7000 ليرة في بعض المناطق، تحت ضغط إخفاء الدولار والإحجام عن بيعه من قبل بعض الصرّافين وتجّار السوق السوداء، ترقّباً للسقف الأقصى الذي قد يصله الدولار. وما شجّع الارتفاع، زيادة طلب تجّار السلع، الذين خافوا من ارتفاع اضافي، فسارعوا إلى طلب الدولار وفق أفضل سعر يمكن الحصول عليه.

تخبّط في ردود الفعل
ساعات قليلة كانت كافية لتهدئة التقلّبات، غير أن الثمن كان اشتعال الشارع بالاحتجاجات الشعبية، إلى جانب سيطرة الخوف على صغار التجّار والمستهلكين. أما الكبار منهم، فقد بادروا إلى رفع أسعار السلع فوراً على رفوف السوبرماركت، أمام أعين الزبائن، برغم أنها مُشتراة وفق السعر المنخفض. فيما أقدم بعض التجّار على إقفال محالهم تمهيداً لرفع الأسعار في اليوم التالي. وقد شهدت العاصمة بيروت وبعض مناطق البقاع، ارتفاعاً كبيراً في الأسعار.

من ناحية أخرى، لم ترتفع أسعار السلع في أغلب قرى الجنوب، وخاصة محيط مدينة صور. لكن تداعيات تقلّب سعر الدولار كانت واضحة عبر إقفال أبواب بعض المحال التجارية والملاحم، حين امتنع بعض اللحّامين عن شراء اللحم من المسالخ، خوفاً من عدم إقبال المواطنين على شرائها بكميات كافية. وبالتالي، يواجهون خطر كساد اللحم لديهم، فأسعار اللحم في بعض المسالخ ارتفعت.
كذلك حافظ تجّار أعلاف الحيوانات على أسعارهم، لكن تخوّفهم من المسار غير المنتظم لسعر الدولار، كان واضحاً. إذ أن بعضهم يشتري وفق السعر المرتفع، ويضطر للبيع وفق السعر المنخفض مع تقليص هامش الربح. ونتيجة لذلك، لا يبادر هؤلاء إلى شراء كميات كبيرة من الأعلاف.
طوى صباح يوم الجمعة 12 حزيران صفحة الارتفاع. فشهد مؤشّر سعر الدولار انخفاضاً ملموساً وصل إلى 4500 ليرة، من دون أن يقدّم الثقة المطلوبة بعدم الارتفاع مجدداً. وهذا ما حذا بحاملي الدولار من المواطنين إلى الحفاظ عليه وعدم صرفه، تمهيداً لارتفاع مرتقب.

محاولات خادعة
كعادتها، سارعت السلطة السياسية لإيهام الناس أنها تعمل على احتواء الأزمة. فانبرى رئيس مجلس النواب نبيه بري للتأكيد على اتفاقٍ جرى التوصّل إليه في جلسة الحكومة، يقضي بـ"تخفيض قيمة الدولار إزاء العملة اللبنانية وصولاً إلى 3200 ليرة ابتداء من اليوم (الجمعة)".
لم يتأخّر حاكم مصرف لبنان عن فتح جعبته وإفراغ بعض محتوياتها من خزعبلات، هو الأعلم أنها لا تقوى على كبح تصاعد الدولار. وككل مرّة، لم تفلح الوعود والقرارات في خفض الأسعار وخفض معدلات القلق، رغم اختلاف نبرتها التي أتت هذه المرّة أكثر حزماً.

الدليل على عدم جدوى ما يقدّمه هؤلاء، جاء من عقر الدار، من نقابة الصرّافين التي دخلت نادي التحكّم بسعر الدولار من أوسع أبوابه، لتشارك السلطة في القبض على الاقتصاد ولقمة عيش المواطنين. فقد أكّد نائب نقيب الصيارفة محمود حلاوي، أن "المواطن لا يثق بالتعاميم التي كان يصدرها مصرف لبنان حول خفض سعر صرف الدولار لدى الصرافين". مختصراً حلّ الأزمة بخطوة أساسية، وهي "ضخ الدولار". وما لم يفعل مصرف لبنان ذلك "سنعاود الوقوع في المشكلة عينها".
مصرف لبنان لا يقوى على ضخ دولارات كافية في السوق. فبعيداً عن الكميات المرتفعة المطلوبة، لا يستطيع المركزي والسلطة السياسية من خلفه، ضبط مسار انتشار الدولار الذي سيجد طريق التهريب بسهولة نحو سوريا، فضلاً عن إخفائه من قبل تجّار الدولار، بغية رفع أسعاره عند أقرب فرصة ممكنة.
ومع ذلك، لا يجد حلاوي مانعاً من تصديق مفاعيل خطوة المركزي التي تهدف إلى بيع الدولار للصرافين من الفئة "أ"، الذين سيقومون بدورهم بالاشراف على حسن توزيع الدولارات إلى مستحقيها من التجّار، عبر بيع الدولار إلى المستوردين الذين سيثبتون للصرافين بأن الدولارات ستذهب للاستيراد. والصرّافون سيعطون المستوردين إشعاراً يُثبت للمصرف بأن الدولار أتى من جهة مرخّصة وليس من السوق السوداء.

ارتفاع الأسعار مستمر
لن يرتعب الدولار مهما ارتفعت الأصوات في وجهه. فمن يصرخ اليوم، بحاجة إلى الدولار، وليس العكس. الصوت الأوحد القادر على خفض عنجهية الدولار، هو دولار آخر يستحيل تأمينه. وحتى ذلك الحين، سيلعب ثالوث المركزي - الصرافين - المصارف، لعبة الإمساك بالزئبق. فمصرف لبنان غير قادر على ضخ دولارات كافية لسد حاجة السوق، ما سيُبقي الطلب على الدولار مرتفعاً، وسيبقي الحاجة للسوق السوداء قائمة. فيما الخطابات السياسية ليست دواءً للدولار، وإنما مادة مخدّرة لعقول جمهور السلطة الذين يرزحون تحت وطأة الارتفاع الجنوني للاسعار، رافضين تحميل المسؤولية لزعمائهم.

انكار المسؤولية شفهياً، تترجمها أسعار السلع التي سيضع استمرار ارتفاعها التجّار والمستهلكين أمام خيارين، إما مواصلة رفع الاسعار إلى حدّ الاصطدام بعدم قدرة المستهلك على شرائها، وبالتالي يسقط الاقتصاد في فخ الكساد، ويسهم ذلك في خسائر اضافية للتجار، ما ينتج عنه إقفال المؤسسات. وإما استمرار الطلب على الاستهلاك واحتمال التداعيات المتراكمة لانخفاض القيمة الشرائية للعملة اللبنانية. وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى إعلان المستهلكين استسلامهم، لأن انخفاض القدرة الشرائية للعملة، يعني بصورة أو بأخرى عدم القدرة على الاستهلاك بالصورة الصحيحة.

لا أحد يمكنه ادعاء معرفة مسار الأمور، فالتغيّر السريع هو السمة الوحيدة. فكل تحليل قد يصطدم بتغيّر مفاجىء. فأي معطيات تلك التي دلّت على ارتفاع الدولار من 4300 ليرة إلى 5000 ليرة؟ وفي أقل من 24 ساعة تم التداول بسعر 7000 ليرة، تبيّن لاحقاً أن شائعة ما تقف خلف هذا الارتفاع، فلم يتم الحديث عن هذا السعر سوى لساعات، في مناطق متفرّقة، وبمعدّلات محدودة جداً، لكنها كانت كافية لخلق الذعر في سوق يتحكّم به أصحاب الاحتكارات، المسؤولين عن رفع الأسعار حتى في زمن تثبيت سعر الدولار. وهؤلاء سيواصلون لعبتهم مستفيدين من الانتقائية التي سيقع في فخّها التجّار في المصارف. إذ لن يحصل الجميع على الدولار الكافي، ولا التحويل المطلوب إلى الخارج. ما يعني أن أصحاب النفوذ سيعززون نفوذهم ويعززون أسعارهم التي سيحمل المستهلك وزرها. فهل يجد المستهلك، وسط هذه الفوضى، ما يشتريه أو ما يشتري به؟