Advertise here

نتنياهو يباشر مغامرة القضم الجديدة.. فلسطين متروكة لنكبة جديدة

11 حزيران 2020 05:10:00 - آخر تحديث: 11 حزيران 2020 11:17:47

خلال مرحلة الحوار حول تشكيل الحكومة الائتلافية الإسرائيلية، حدد بنيامين نتنياهو مطلع شهر تموز موعداً لبدء عمليات ضم أراضي من الضفة الغربية التي أنشأت عليها قسراً المستوطنات اليهودية، إضافة الى منطقة غور الأردن، وفرض السيطرة الإسرائيلية عليها وفق ما ورد في الخطة الاميركية المعروفة بصفقة القرن.

أراضي الضفة الغربية المقرر ضمها تشكل بمجملها أكثر من ثلث المنطقة، أي ثلث أراضي الضفة الغربية، فضلاً عن ضم المساحات التابعة لمدينة القدس الكبرى التي تصل الى حدود اريحا، وبالتالي فإنهم حين يقولون "ثلث الضفة الغربية" ففي ذلك خداع حسابي، اذ حين يتم احتساب الأراضي التي ضُمت إلى محافظة القدس الكبرى، لا يتبقى للفلسطينيين في الضفة الغربية أكثر من 2000 كلم مربع من أصل 5000 كلم مربع، وهي المناطق التي يعيش عليها الفلسطينيون بكثافة، المدن والقرى والبلدات المكتظة والتي لا يمكن إزاحتها، أو شطبها من الوجود، لذلك فإن عمليات الضم، وفرض القانون الإسرائيلي والسيطرة، ستذهب الى مجمل أراضي الضفة الغربية، وهذا لم يخفه نتنياهو عندما قال إنه "على الفلسطينيين القبول بأن السيادة الأمنية لإسرائيل في كامل الضفة الغربية، قضية لا نزاع ولا نقاش بها ولن نتفاوض عليها"، وهذا يعني سياسياً واستراتيجياً أنه سيضم كامل الضفة الغربية باستثناء، ترك مجموعة المدن كمعازل لقانون خاص.

حاجة نتنياهو للعودة الى رئاسة الحكومة، دفعته للإسراع بالإعلان عن موعد تطبيق صفقة القرن حسب المعطى الأميركي، حيث وفرت سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لنتنياهو إمكانية الوصول لأقصى ما يريد، في هذه اللحظة السياسية والتاريخية، هذا المعطى يصطدم في خطواته التنفيذية بصعوبات كثيرة، باعتباره أولاً، خيار معاكس للتاريخ والجغرافيا ومنطق سير الأمور.

ثانياً، إن المعارضين لعمليات الضم الآن في إسرائيل، هم انفسهم المستوطنون، لأنه ثمة أراضي ستبقى بيد الفلسطينيين ويعيشون عليها، وهذا ما يمنع توسع المستوطنات، ويمنع السيطرة الصافية للمستوطنين والمتطرفين اليهود على كامل الضفة الغربية، فبين شريحة المستوطنين وداعميهم بالمجتمع الإسرائيلي، من هم اكثر تطرفا من نتنياهو نفسه، وأكثر جذرية في الدعوة لقيام مملكة إسرائيل الكبرى التوراتية، وهؤلاء لا يقبلون أن يترك أي مساحة من أرض فلسطين لأصحابها التاريخيين، وأصحابها الشرعيين، وهذه الشريحة ليست قليلة في حسابات السياسة الإسرائيلية الداخلية وتوازناتها، وفي تأثيرها على الحكومة وعلى الكنيست، وعلى توازنات مختلف داخل أجهزة صناعة القرار الإسرائيلي، سواء في الوسط الأمني أو العسكري أو السياسي.

ثالثاً، درجة الارتباك العالية التي أصابت الإدارة الأميركية وفريق الرئيس دونالد ترامب، جراء ما أحدثه الانفجاران الكبيران على المستوى العالمي، (انتشار جائحة كورونا، وخروج الشارع الأميركي في شبه انتفاضة ضد العنصرية، بوجه الدولة البوليسية جراء مقتل جورج فلويد)، وما سبباه في المجتمع الأميركي من إرباك لم يكن في الحسبان، ولم يكن في حسبان من صاغوا صفقة القرن مواجهتهم عدواً لا علاقة له بعا، فكورونا ونهوض الحركة الاعتراضية العنيفة والواسعة النطاق داخل المجتمع الأميركي، مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية، أنتجا درجة من الإرباك الشديد في الإدارة الأميركية ولدى ترامب، وعدم قدرة في التوفيق ما بين الاحتياجات الانتخابية الداخلية، وما بين التصدي لجائحة كورونا، وما بين معالجة الاعتراضات العربية والفلسطينية والدولية، وتحديدا الأوروبية منها لتنفيذ صفقة القرن بهذه السرعة وبهذه الطريقة.
 
لقد بدا هذا الارتباك واضحا في الموقفين الأميركيين المتعارضين، الموقف الأول يتمثل بدعم ترامب لنتنياهو تنفيذ الاتفاق في الفترة الانتخابية واعتبارا من تموز، والموقف الآخر الصادر عن اللجنة الهندسية المكلفة الاشراف على حسن سير وتنفيذ آليات الضم، وهي لجنة أميركية إسرائيلية، تريد ان تتأكد من حسن التنفيذ والتوافق وفك الألغام التي تعترض تلك الخطة، والتي تدعوا للتأجيل.

هذا التضارب في المواقف أدهش نتنياهو الذي يلهث ويريد إنجاز هذا الأمر بأقصى سرعة ووقت، بغض النظر عن الأكلاف، حيث كان نتنياهو صريحا في موقفه، بأنه وفي معرض رده على سؤال عن انهيار السلطة الفلسطينية، أو انهيار معاهدة السلام مع الاردن في حال ذهب الى تنفيذ مخططه، وقال "أنا لا أكترث لانهيار السلطة، ولا أكترث لانهيار معاهدة السلام مع الأردن".

الحدث المستجد في فرملة تطبيق هذه الخطة على منطقة الضفة الغربية، وغور الأردن، يعكس العقبات التي تولدها الخطة نفسها وليس المعترضين عليها أولا، فما بالنا عندما نجمع العقبات التي تنشأ من داخل خطة لا منطقية، لا تاريخية، ولا أساس قانوني وشرعي لها، مع الاعتراض الفلسطيني على حجمه وعجزه، وعلى الاعتراض الرسمي العربي على حجمه وعجزه، وعلى الاحتجاجات الأوروبية وغيرها على قلتها وبساطتها وعدم وضوحها الكامل.

 لذلك نحن أمام لحظة دولية وإقليمية تستحق التأمل فيها، وتستحق الربط فيما بينها من جهة، وما بين أسبابها الحقيقية التي ولدتها هزيمة حزيران 1967 التي طوت ذكرى 53 سنة، والتي مكنت إسرائيل من توسيع انتشارها ومساحتها، ونتائج تلك الهزيمة التي لا تزال تدفع بالمسار العربي نحو الاضمحلال والتراجع، وبالتالي فإن النظر الى المشهد بكليته البانوراماتية، قد يعطي إسرائيل مجدداً فرصة تجديد مغامرتها التوسعية بالقوة، مستفيدة من اللحظة الإقليمية – الدولية المؤاتية لها والتي تمكنها من تحقيق:

أولاً: إخراج إيران من سوريا تحت غطاء دولي – إقليمي (روسي – أميركي – تركي – إسرائيلي – عربي)، حيث أن لا حل في سوريا دون خروج إيران من مواقعها في سوريا، وضرب المشروع التوسعي الإيراني وقطع طريق طهران – بيروت عبر بغداد ودمشق، بعد أن عجزت روسيا عن تحقيق ما وعدت به في الاجتماع الأمني الثلاثي منذ سنة تقريبا،(الأميركي – الروسي - الإسرائيلي).

ثانياً: ضرب المواقع الاستراتيجية الإيرانية التي يتولى تشغيلها حزب الله في لبنان وسوريا، (تدمير قواعد الصواريخ البالستية الإيرانية الدقيقة التوجيه).

ثالثاً: التمدد الإسرائيلي في الضفة الغربية، وغور الأردن تحت شعار الحماية الأمنية لإسرائيل، وتطبيق صفقة القرن، دون الاكتراث للاعتراضات المختلفة التي اشرنا اليها.  

إن ميزان القوى المختل لمصلحة إسرائيل وأميركا في الشرق الأوسط وفي فلسطين، وانسداد أفق المشروع الوطني الفلسطيني وعدم قدرته تحقيق أهدافه، وفي ظل انهيار عملية السلام الفلسطيني - الإسرائيلي وسقوط حل الدولتين أمام مشروع صفقة القرن، فإن أي مغامرة إسرائيلية للضم بالقوة تضع المنطقة أمام فوضى عارمة اكثر خطورة من هزيمة 1967، التي تباهى بعض الزعماء العرب بقوله، "ربحنا الأنظمة وخسرنا الأرض"، فإننا اليوم وأمام حالة التفكيك والتدمير العربي، سوف نخسر ما تبقى من أرض وأنظمة، لا بل فإن المنطقة سوف تكون أمام مشهد جديد جغرافي وسياسي.