Advertise here

العودة إلى الإيمان!

10 حزيران 2020 14:05:00 - آخر تحديث: 10 حزيران 2020 22:40:20

كثُرت في الآونة الأخيرة جرائم القتل، أو عادت لتتصدّر، بشكلٍ كبير، عناوين الأخبار المحلية والعالمية تحت مسميات عدة. وكلها تأتي في سياق تقصير الدولة في تأمين حياة كريمةٍ لشعبٍ يعاني القلّة والعوز، كما غياب التوجيه العائلي، واستدراك الأمر قبل حصول أي جريمةٍ، وذلك بالتربية النفسية الصحيحة، والمتابعة اليومية للأرواح المنكسرة، واحتضان المظلوم في مواجهة الظلم قبل أن يتحوّل إلى ظالم!

كما وأن هذا التفلّت في حيازة السلاح الفردي دون ترخيص يزيد في حصول هذه الجرائم أمام ردّة الفعل الجنونية التي تصيب القاتل قبل القيام بفعلته.

الأسباب كثيرة إذاً، والنتيجة واحدة. الموت الأسود الذي يؤدي إلى دمار مجتمعاتنا، وخراب مفاهيمنا، وزوال عاداتنا.
منذ الأزل كانت المرأة هي الحلقة الأضعف، ومصدر الخطيئة الأوحد. وأمام كل جريمةٍ تحصل وتكون إحدى ضحاياها امرأة، تتجّه الأنظار إلى تبرير حصولها بدوافع بالية، وتنقسم الآراء بين مؤيدٍ، ومُعارض ينصر المظلومة!!

الأسوأ أنّ مفهوماً خاطئاً بات سائداً لدى أفراد مجتمعاتنا القائمة أفكارهم على سوء النوايا، وذلك قبل أن تتأكد الشكوك، ويُحسَم الظن بالإثبات! وهي أنّ كلَّ جريمة تُقتَل فيها امرأة لا بُدّ وأنّها هي المُذنبة الوحيدة! وحتى قبل صدور التحقيق!
ذنبها أنّها امرأةٌ تحمل في بعض الموروث القديم فعلَ الخطيئة في أحشائها، وتُسجن في سجن العهر وحدها! ويبقى الخاطئ طليقاً، ويُصنّف بطلاً، فيجول متباهياً بعلاقاته، بينما تتدثر المرأة بثوب الستر! 

لا أُبرّئ كلّ النساء هنا، ولا أُدين كلَّ الرجال. ففعل الخطيئة يفرض جملةً كاملة الإعراب، وفعلاً غير ملتزم، وفاعلاً على هيئة رجلٍ وامرأة، ومفعولاً به على هيئة زوجٍ مخدوعٍ، أو زوجةً صابرة، وأهلاً أُصيبوا في عُقر تربيتهم، وأولاداً وُصِموا بالعار مدى الحياة...

وقد يذهب هذا الخاطئ لينتقم لشرفه المهدور على مذبح الخيانة من زوجته، أو أخته، أو ابنته! والخيانة أنواع: خيانة جسد، وثقة، واسم... وقد تذهب تلك الإمرأة لتنتقم!!

نعم شرقيون نحن، محكومون بعاداتٍ وتقاليد، تُجنّبنا في معظمها السقوط في الخطيئة، والانفلات الأخلاقي، لكنّها تُعزّز في عقلية الرجل الشرقي مفهوماً خاطئاً، والذي يبقى راقداً لسنين، إلّا أنه قد ينتفض مع انتفاض الموروث الذكوري.

مع هذه التراكمات لعادات وتقاليد، حاولت حضارات غربية أن تضع إسفيناً من ضياع في أنظمة تعاليمها، وأن تُدخلَ إلى قوانينها بعض تعديلاتٍ لم تُرضِ الرجل الشرقي. فكان تحرُّر المرأة وتبوؤها مراكز مهمّة فاقت بأهميتها مراكز الرجال، وأصبحت منتجةً وفاعلةً في المجتمع، فسقطت غالبيةُ النساء في فخِّ المساواة حتى التمرد. وتقوقع الرجل خلف حقوقه الرمادية، الشرقية العنوان، الذكورية الطابع فتسلّح بممارسة العنف الجسدي عليها، وتحصّنت هي بممارسة العنف اللفظي والتجريح، إلى التشكيك برجولته! وإثباتاً لمفهوم الرجولة لديه ضربَ وصرخَ حتى القتل.

المُعنّف قاتل. يقتل بيده الحاضر والمستقبل. والقاتل سفّاح لا يستحقُّ حتى كلمة حيوان! فالحيوان أرأف حالاً، وهما وجهان لنتيجة واحدة. لكنهما ورغم بشاعة أفعالهما، يظلاّن أداتين لقاتلٍ أكبر، وهو الجهل.

جهلٌ أعطى الفتى حقوقاً غير مشروعة، وحدّد للفتاة حدَّ القُبل!!

علينا، كلٌّ من موقعه إرشاد الأهل، والحد من تشريع العُنف، وذلك بإقامة الندوات الثقافية والاجتماعية، وتسهيل عمل الجمعيات التى تُناضل من أجل حقوق المرأة والطفل بعدل مرشدٍ نفسي بعيداً عن الكيدية في معالجة الأمور، وتأليب النساء على الرجال، وأن نضع برامجَ تأهيليّة تقوم على إعداد طالبي الزواج، وتعليمهم أصول العلاقات الزوجية، وحقوقهم وواجباتهم، وتقدير مدى استعدادهم للقيام بخطوة الزواج.

الغور في النفس البشرية، والبحث عن الحقائق المخفيّة في طفولة القاتل، هما الطريق الأمثل لمعالجة الأسباب الموجبة لارتكاب الجريمة قبل حصولها. 

*هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".