Advertise here

لا تلعبوا بالنار!

10 حزيران 2020 09:08:47

ما عاشته البلاد منذ أيام قليلة يُنذر بعواقب وخيمة، ويؤكّد إمكانية استغلال الإنقسامات العميقة التي يُعاني منها المجتمع اللبناني، لإعادة إشعال الساحة الداخلية (وتسمية "الساحة" تنطبق قولاً وفعلاً في الواقع اللبناني المريض)، وإسقاط الإستقرار الهشّ، وقد تفاقمت هشاشته بفعل الأزمة الإقتصادية الإجتماعية المعيشية غير المسبوقة.

بسرعة فائقة، تنتصب المتاريس مُجدّداً، وتُستعاد الشعارات التي ازدهرت خلال حقبة الحرب الأهلية العبثية، وقد كلّفت لبنان واللبنانيين أثماناً باهظة قبل إسكات المدفع والدخول في مرحلة السلم الأهلي. لا شك في أن المُسبّبات التي تقف خلف تمترُس اللبنانيين حول خياراتهم التقليدية القديمة لا تزال على حالها.

اللبنانيون ما زالوا ينقسمون على السياسة الخارجية والسياسة الدفاعية، وينعكس هذا الإنقسام على واقعهم الداخلي، ويتمظهر في نواحي مختلفة من الحياة السياسية والوطنية، في المؤسسات الدستورية وأدائها المُتعثّر، بفعل استيلاد الأعراف والتقاليد "غير الميثاقية" التي تترك إشكاليات معقّدة، وفي الآونة الأخيرة في الإقتصاد والمصارف والحدود والمعابر (الشرعية وغير الشرعية)، والجمارك والصرافة والعملات الأجنبية وسواها من المجالات.

وعلى عكس ما تُروّج له بعض النظريات المُنفصلة عن الواقع بتعقيداته وتشابكاته، المشكلة في لبنان ليست في الصيغة والميثاق والدستور، المشكلة في التطبيق وفي احترام القوانين. لا بل يُمكن القول إن التجربة الجدّية في تطبيق الدستور لم تحصل قط، لأن ثقافة احترام الدستور والقانون غير متوفرة لدى مكوّنات وازنة في المجتمع السياسي اللبناني.

في تاريخ لبنان الحديث، لطالما كان هناك من هو أقوى من الدولة، ولطالما دار فائض القوة دورته على الطوائف والمذاهب، مانحاً بعضها في لحظات سياسية معينة أرجحية كبيرة، وعندما كان يُساء استعمالها، كان ينتهي النزاع بدورات متلاحقة من العنف والعنف المُضادّ. المطلوب اليوم عدم تكرار تلك التجارب التي دائماً تصل إلى طريق مسدود، ولا تُحقّق سوى المزيد من التراجع والتقهقر والإنهيار المحتوم.

المُفارقة القاسية التي تفرض نفسها على الواقع الداخلي اللبناني، أنه مرتبط بطبيعة الحال بتطورات الوضع الاقليمي. ففي لحظات الاحتدام الاقليمي، تُصفّى الحسابات على الساحة اللبنانية، ويُصبح اللاعبون اللبنانيون الأساسيون أدوات احتراب بين المتخاصمين. وفي لحظات التفاهم الإقليمي، تُستولد الحلول على حساب لبنان وليس لحسابه، وعلى مصلحته وليس لمصلحته. لذلك، ثمة صعوبة بالغة في الإستمرار بالقول ان لبنان لم يبلغ سن الرشد السياسي بعد! المثالية الواقعية مطلوبة في مقاربة المسألة اللبنانية بكل تشعّباتها، التي تعمق تداخلها من أزمات المنطقة ومحاورها المتقابلة والمتصادمة والمتضاربة.

خُلاصة الأمر، لبنان لا يحتمل مغامرات سياسية أو أمنية جديدة، وحتماً لا يحتمل ألاعيب صبيانية تعكس عدم فهم لاعبيها بطبيعة التوازنات اللبنانية الدقيقة والتركيبة الداخلية القائمة على التعددية والتنوّع، ولا يحتمل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء! يكفي اللبنانيين ما يعانونه من إفقار وإضعاف وتهميش وإقصاء وإذلال في كل نواحي حياتهم، بالبديهات اليومية التي تبدأ بشراء السلع ذات الأسعار الجنونية بسبب جشع التجّار، وصولاً إلى الوقوف أمام أبواب المصارف لتحصيل فتات حقوقهم المالية من ودائعهم ومدخراتهم وجنى عمرهم!