Advertise here

جنبلاط يعود الى الحصن الأول

03 حزيران 2020 10:46:00 - آخر تحديث: 10 أيلول 2020 12:00:09

في زحمة الأزمات التي تحتل قائمة يوميات اللبنانيين، يبدو رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يغرّد في مكان آخر، فعلى طريقته يبعث برسائله، في لحظات يثمّنها وفق بوصلة "راداره" السياسي الذي يلتقط حكماً ذبذبات مشاريع تفوق طاقة وطن الأرز الصغير على تحمّلها.
 

فعندما يذكّر جنبلاط بالجبل، هذا يعني الكثير في السياسة وفي القراءة للتطورات، فالجبل يعني الصيغة ويعني العيش المشترك الذي يشكّل أساس تكوين الفكرة اللبنانية، فهناك أرسى الأمير فخر الدين الكيان اللبناني على قاعدة الوطن الذي لا تحميه الا وحدة أبنائه ولا يطوّره ويكفل مستقبله الا الانفتاح على العالم كما التأقلم مع محيطه الملتهب دائماً.

 

يبدو من تصريحات جنبلاط في الفترة الأخيرة انه بات مقتنعا بأن لبنان الذي نعرفه قد تغيّر، وأنه تحوّل الى ساحة صراعات أكبر من حجمه وطاقته، وما الأزمة الاقتصادية الخانقة الا واحدة من أوجه هذه الحرب المفتوحة التي لا يدفع ثمنها الان الا الشعب اللبناني.

ولذلك فإن عودة جنبلاط في هذه اللحظة الى الجبل تبدو وكأنها محاولة لحماية الحصن الأول الذي يبقى ولا تكسره رياح الزمن وان عصفت به مراراً عبر التاريخ.

 

فبعد أسابيع على كسره الحاجز بين المختارة وقصر بعبدا وتلقّفه لمبادرة بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وزيارته للقصر الجمهوري، كلّف جنبلاط منذ أيام مستشاره رامي الريّس القيام بجولة على المرجعيات السياسية والروحية المسيحية، في توقيت لافت في عزّ التصريحات عن الصيغة اللبنانية وانتهاء الطائف والدعوات الى الفيدرالية.

 

وتعليقاً على هذه الجولة، أشار الريّس في حديث لموقع mtv الى انه "في كل حقبة يشعر فيها وليد جنبلاط بأن موضوع العيش المشترك في الجبل وتحصين المصالحة بحاجة لمزيد من التثبيت الذي يعززه تواصله مع القوى المسيحية بما فيها المرجعيات الدينية التي لعبت وتلعب دورا مهما في تكريس هذه المصالحة، خصوصا الأصوات العقلانية، وهذا ما يبرر زيارتي للرئيس العام للرهبانية المارونية الأباتي نعمة الله الهاشم"، كاشفا عن زيارة قريبة سيقوم بها للمطران الياس عودة ايضا ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية وغيرهما من المرجعيات.

 

وقال: "هناك عنوانان أساسيان هما موضوع حماية التعددية والتنوع والعيش المشترك في الجبل وفصل الخلاف السياسي في حال وقوعه عن الوضع الميداني ومحاولة ابقاء أي تباينات في وجهات النظر السياسية ضمن أصول التخاطب السياسي والاعلامي كي لا تتوتر القرى والمناطق".

 

واضاف "أما الاعتبار الثاني فهو اعادة التأكيد على التمسك باتفاق الطائف الذي تطلب الوصول اليه تضحيات هائلة، وهو ليس اتفاقا مقدسا ولكن في ظل الانقسام اللبناني الحالي من الصعب التفكير باجتراح صيغة سياسية جديدة او عقد اجتماعي جديد بين اللبنانيين، وبالتالي علينا جميعا ان نتمسك بهذا الاتفاق، خصوصاً وان ما يطرح من أفكار حول فيدرالية ورسم خرائط بألوان لكانتونات لا تتلاءم مع طبيعة الواقع القائم وفيها نفس تقسيمي، ونحن نتمنى الا يسفح له المجال".

 

وفي حين ذكّر الريّس بمبادرة جنبلاط دائماً لوضع حد لأي جنوح قد يمسّ بسلامة الجبل، تخرق هذه الجولة المشهدية السياسية لتؤكد انه لا بد من مكان للتلاقي في هذا البلد حيث لا يمكن لأي مشروع يستمد مشروعيته من فائض قوة وسلطة ان يعيش طويلاً ولا خيار الا بالعيش تحت مظلّة هذا الوطن الذي أثبت دائما انه أكبر من أن يُبلع وأصغر من أن يُقسّم.