Advertise here

المواد الأولية مهددة بشحّ الاعتمادات... خطط وإجراءات الحكومة في وادٍ والدولار في وادي "قيصر"

03 حزيران 2020 05:20:00 - آخر تحديث: 03 حزيران 2020 14:39:01

فيما يترقب الجميع تداعيات قانون العقوبات الأميركية الجديد "قيصر" الذي فرضته واشنطن على النظام السوري، وجميع من يتعامل معه، والذي يبدو أقسى من سوابقه، ما يضع مجمل الوضع الاقتصادي المنهك أصلاً في لبنان تحت دائرة خطر مستجد، ويضع الحكومة أمام مسؤوليات مالية كبيرة بحال حاولت التملّص منه، أو اختراقه والتوجه شرقاً، فإن المعاناة اليومية للبنانيين مقبلة على صعوبات أكبر في ظل أزمة الاعتمادات المالية التي بدا انخفاضها يظهر جلياً مع تراجع كميات النفط المستوردة، أو المواد الأولية الحيوية، ما يهدد أساسيات العيش.

وسط كل ذلك تتجه السوق المالية اليوم الأربعاء إلى تجربة عودة سوق الصيارفة إلى العمل. إذ بعد شهرٍ من الإضراب احتجاجاً على توقيف عدد من الصرّافين، وبعد الاتفاق مع رئيس الحكومة في اجتماع يوم السبت الماضي، كما مع مصرف لبنان، على آلية معينة للعمل النقدي في السوق، قرّرت النقابة العودة إلى مزاولة المهنة، والالتزام بقرارات المصرف المركزي وتعاميمه.

إلّا أن الحل لا يكمن في العودة إلى العمل وفي التعاميم التقنية، التي قد تبقى حبراً على ورق، خصوصاً وأن التجارب السابقة لا تبشّر بأي خيرٍ، إذ حاول مصرف لبنان من قبل تنظيم مهنة الصيرفة، وملاحقة الصرّافين غير الشرعيين، وضبط سعر الصرف، إلّا أنه حتى يومنا هذا، ما زال الدولار يحلق في مستوياته القياسية، ويلامس الـ4500 ليرة عند بعض الصرافين.

وتركّز الآلية الجديدة على الالتزام بتعميم "المركزي" الذي ينصّ على تثبيت سعر الصرف في السوق عند حد الـ3200. إلّا أن التراجع في السعر لن يكون مباشراً، بل تدريجيا ضمن أيام، وقد أعلنت النقابة عن تحديدها يومياً، ولمرّة واحدة، للصرّافين عن هامش متحرك لسعر الصرف بين شراء الدولار بحد أدنى وبيعه بحد أقصى، والإعلان مجدداً عن السعر المعدّل يومياً بحسب التطورات. فهل ستكون هذه الإجراءات حلولاً عملية تطبيقية لعودة السيطرة على سعر العملة الأجنبية؟

في اتّصال له مع جريدة "الأنباء" الإلكترونية، يوضح الخبير المصرفي والاقتصادي، نسيب غبريل، أن "الحل لا يكمن بإجراءات موضعية ومؤقتة، إنما باستعادة الثقة، وهي فُقدت منذ صيف العام الماضي، وسبّبت أزمة سيولة حادة". وهنا، يشير غبريل إلى أن أزمة الثقة لا تقتصر فقط على القطاع المصرفي والنقدي، بل على السلطة بشكل عام والحكومة والطبقة السياسية الحاكمة.

وفي التفاصيل، يعود غبريل إلى ما قبل الصيف الماضي، بل إلى السنتين الأخيرتين التي اتُخذت فيهما قرارات متهورة، أكان لجهة زيادة الضرائب، أو زيادة الأجور عبر سلسلةٍ لم يتم درسها بالشكل المطلوب لتأمين مواردها، وهو يعود إلى تلك الفترة للتأكيد على عمق المشكلة التي يعاني منها لبنان، والتي لا يمكن حلّها بإجراءات تقنية.

وبحسب غبريل فإن "مفتاح ثقة المواطن اللبناني، القطاع الخاص، والمغتربون، والمجتمع الدولي، هو إجراءات إصلاحية جدّية تلتزم بها الحكومة ضمن خطة اقتصادية لإحداث صدمةٍ إيجابية، وبالتالي عودة ضخ رساميل في الأسواق المالية، فيما يحتل تراجع سعر الصرف وتوحيده المرحلة الأخيرة". وبرأي غبريل، فإن "خطة الحكومة الحالية لا ترتقي إلى المستوى المطلوب في هذا السياق".

ويتابع غبريل: "من ناحية المنصة الإلكترونية، والتي من المفترض أن يطلقها المصرف المركزي، أو ضخ الدولار بسعر السوق، فهي إجراءات مرغم عليها مصرف لبنان، ومن شأنها أن تحد، مؤقتاً، من التدهور الحاصل في سعر صرف الليرة، إلا أنّها لا تتعدى المجال التقني، ولا تحل مكان الإصلاحات الجذرية المطلوبة لاستعادة الثقة". ويلفت غبريل إلى أن، "المسألة هي مسؤولية الجميع، ابتداءً من الصرّافين، مروراً بالمركزي، وصولاً إلى الحكومة، فالسلطة التنفيذية من واجبها التفاهم مع جميع الهيئات الاقتصادية الموجودة، لوضع رؤية موحّدة وأولويات واضحة".

وعن إمكانية الحد من أسواق الصيرفة غير الشرعية، نفى غبريل القدرة الكاملة على ضبط هؤلاء الصرّافين، مؤكدا ًعلى أن، "الحل يكمن في المعالجة الجذرية".

من جهة أخرى، يرى مدير أنظمة الدفع السابق في مصرف لبنان، رمزي حمادة، أن "عودة الصرّافين إلى العمل اليوم لا تعني أن سعر صرف الدولار سيعود وينخفض، إلّا مع مراقبة الدولة الصرّافين غير الشرعيين، أو الذين لا يلتزمون بتعاميم المصرف المركزي"، مشيراً إلى أن "الكلام عن محاولات ضبط لا ينفع، بل المطلوب إجراءات قاسية وخطة"، مستبعداً أن يتراجع سعر صرف الدولار إلى الحدود التي يشار إليها، أي 3200 ليرة.

ويقول حمادة في اتصالٍ لجريدة "الأنباء" أن، "أزمة سعر الصرف والصرّافين سياسية بإمتياز، ولا يمكن فصلها عن الصراع الإقليمي الدائر في المنطقة بين إيران والولايات المتحدة من جهة، وعن الإجتهادات المبذولة لتغيير شكل إقتصاد لبنان من جهة أخرى، والمطالبة الأممية بتطبيق القرارات الدولية التي تنصّ على نزع سلاح حزب الله كـ1559 من جهة ثالثة".

وفي هذا السياق، يشير حمادة إلى أن "حلفاء سوريا في لبنان يدفعون في هذا الاتّجاه، عبر الإصرار على التنسيق مع النظام السوري، وإقامة علاقات تجارية معه، بهدف وقف التهريب. كما أن الهجمات المشبوهة على المصارف، وتحركات الصرّافين، تصب في هذا المجال".

وهنا، ينبّه حمادة "من خطورة هذا التوجّه، في ظل العقوبات المفروضة على هذا المحور بشكل عام، وخصوصاً بعد سريان قانون قيصر"، مشيراً إلى أن "هذه الممارسات ستحرمنا من أي شكلٍ من أشكال المساعدات التي قد نتلقّاها من صندوق النقد الدولي، أو الدول المانحة".

وعن الحلول التي قد تساهم في الحد من الأزمة، يرى حمادة أن "مصادرة جميع الدولارات الموجودة في الأسواق من قِبل المصارف، وحصر جميع عمليات بيع وشراء الدولار بها، كما حصر الاستيراد عبرها، قد تكون هذه جزءاً من الحل، على أن تترافق العملية مع خطةٍ أمنية مشددة لمحاربة الصيرفة غير الشرعية".

إلّا أن لوزير الزرعة عباس مرتضى وجهة نظر مغايرة، فقد أعلن في اتصالٍ مع "الأنباء" عن "وجود نوايا لدى الحكومة لضبط سوق الصيارفة، ومحاربة الأسواق غير الشرعية"، ومن موقعه يدعم هذا التوجه، الذي من شأنه إعادة السيطرة على سعر الصرف، لتأمين المواد الأولية للمزارعين، بهدف النهوض بالقطاع.

وفي تفاصيل القطاع الزراعي المهمل منذ سنوات، يرى مرتضى أن "الارتفاع الجنوني في سعر الصرف في الأشهر الأخيرة أنهك المزارعين الذين إضطروا لشراء البذور والسماد والمواد الأولية والتشغيلية بسعر صرف وصل إلى حدود الـ4500 ليرة، ما كبد المزارع، والصناعي الغذائي، خسائر فادحة، وما رفع من ثمن المنتجات الوطنية".

ويعوّل مرتضى على الإجراءات التي تم الاتفاق عليها بين الحكومة والمركزي والصيارفة، لكي تسير الوزارة في خطتها بشكل أفضل، والتي تحتاج إلى دعم حكومي للمزارعين من جهة، وخفض لسعر الدولار من جهة أخرى.

ووفقاً للخطة، يقول مرتضي إن، "15 مليار ليرة ستخصص لشراء مواد أولية لأكثر من 30 الف مزارعاً وتوزّع مجاناً، على أن تكون هناك مبالغ أخرى تقارب الـ150 الف مليار قد تصرف على نحو قروض، أاو هبات للمزارعين، إلى جانب خطة المشروع الأخضر لاستصلاح الأراضي".

ويلفت مرتضى إلى أن "القمح الأسمر، والقمح المخصّص للطحين، والحبوب، هي المنتجات الأكثر استيراداً، وهي الزراعات التي سيتم التركيز عليها. وتهدف جميع هذه الخطوات إلى تأمين محاصيل للصناعات الغذائية بشكل كبير".

ويختم مرتضى "تسير هذه الخطة في سياق تأمين اكتفاء ذاتي في غضون سنوات، وحسب الأرقام"، مشيراً إلى أن، "هدف الوزارة رفع نسبة الاكتفاء إلى ما بين 10% و15% سنوياً".