Advertise here

الأولويات السياسية المتباعدة

27 أيار 2020 22:54:15

كان الاعتقاد أن جائحة الكورونا والوضع الاقتصادي الصعب يخطفان الأضواء عن أي حدث سياسي آخر في هذا الوقت العصيب، لكن المراقبين تفاجأوا بوجود أجندات مختلفة، بل ومتباعدة عند بعض القوى السياسية، كما لدى المرجعيات الدينية. وبعض هذه الأجندات لا يراعي خطورة الأوضاع المالية والصحية. وعلى سبيل المثال: فإن أولويات حزب الله لها أبعاد إقليمية وخلفيات عقائدية لم تتبدل، ويبدو أن أولوية التيار الوطني الحر هي إنقاذ معمل كهرباء سلعاتا غير الضروري لأنه لا يبعد عن معمل دير عمار أكثر من 22 كلم، أكثر من أولوية إنقاذ الدولة. وكانت المفاجأة الكبرى في هذا السياق خطب عيد الفطر لرؤساء الطوائف الإسلامية وعظة البطريرك بشارة الراعي، وجميعها حملت هواجس مختلفة ومتباعدة، وفي بعضها كلام فيه طموحات كثيرة، ويحمل أكثر من تفسير.

وبينما دافع مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان عن صلاحيات رئيس الحكومة وعن الدستور، وطالب بحفظ ودائع اللبنانيين في البنوك محملا السلطة السياسية ومصرف لبنان وجمعية المصارف مسؤولية الأزمة وغامزا من قناة عدم توقيع التشكيلات القضائية، فقد طالب شيخ عقل الموحدين الدروز نعيم حسن بعدم استغلال الدولة ومؤسساتها لمصالح شخصية وفئوية، ودعى المسؤولين لتحمل مسؤولياتهم بحماية العملة الوطنية وتوفير مناخ توافقي لا يمس بصيغة العيش المشترك ولا بعلاقات لبنان مع إخوانه وأصدقائه.

لكن المفاجأة اللافتة جاءت من خطبة المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد عبد الأمير قبلان، فهو شن هجوما لاذعا على نظام الحكم برمته، وعلى الطبقة السياسية، ولم ينس إعلان وفاة صيغة العام 1943 التي توافق عليها الرئيس الأسبق بشارة الخوري مع رئيس الوزراء حينها رياض الصلح، معتبرا أن اللبنانيين لم يعد بمقدورهم تحمل هذه المقاربة الطائفية، وهي غير قادرة لمحاكاة المستقبل، وقد هاجم قبلان اتفاق الطائف ووصف الدستور اللبناني بالدستور «الفاسد» داعيا الى تطوير العلاقات مع سورية بهدف التغلب على بعض الصعوبات الاقتصادية، ولمعالجة مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان.

غالبية الشعارات التي جاءت في خطبة قبلان متقدمة او تقدمية، وهي تدعو لنبذ الطائفية وللمساواة، ولكنها أثارت بعض المواضيع الحساسة التي لا يتحملها الجو اللبناني اليوم وفي هذه اللحظة السياسية الحرجة، حيث يعاني فيها لبنان من كارثة مالية، ومن عزلة دولية خانقة على خلفية انحياز حكومته الى محور«الممانعة» الذي يعاني بدوره من حصار دولي خانق.

ومن المفيد الإشارة الى أن قبلان محسوب على هذا المحور، وهو كان قد تلقى جزءا من دروسه في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وخطبته جاءت مترافقة مع اليوم الأول للعيد الأحد وفقا لما اعتمدته إيران، وليس وفقا لما أعلنه والده الشيخ عبد الأمير قبلان رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الاثنين، استنادا الى توقيت المرجع السيد علي السيستاني في النجف.

البطريرك الماروني بشارة الراعي قال في عظة الأحد: غير مسموح لأحد إدخال لبنان في صراعات خارجية قد تؤدي الى سلبه استقلاله وسيادته، وواضح أن كلامه موجه ضد الذين يحاولون ربط لبنان بالكامل في محور الممانعة، وضد الدعوات الى حصر دوره الاقتصادي بالسوق المشرقية، كما يسميها البعض.

وفي سياق آخر، فقد تباعدت أولويات بعض الأطراف الأخرى حول موضوعات جوهرية. فبينما تنامت الأصوات التي تنادي بتطبيق النظام الفيدرالي او اللامركزية المالية الموسعة، رفضت قوى أساسية هذه الطروحات، واعتبرها رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بأنها مغامرات تقسيمية تقود لأوضاع خطيرة.

المخاوف قائمة من تفلت الأوضاع بسبب الاختلال في موازين القوى إضافة الى حالة الفقر المدقع، وفترة السماح التي أعطيت لحكومة اللون الواحد تكاد تنفذ، وقد سمع الناس منها الكثير من الجعجعة ولم ير الطحين.