Advertise here

"قانون قيصر" وتأثيره على سوريا ولبنان

27 أيار 2020 12:07:00 - آخر تحديث: 27 أيار 2020 13:16:20

يدخل "قانون قيصر" الأميركي حيّز التطبيق في الأول من حزيران المقبل. هذا القانون الذي وقّع عليه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في 21 كانون الأول 2019، كان قد أقرّه مجلس النواب الأميركي، في 15 من تشرين الثاني 2016، ينصّ على معاقبة كل من يقدّم الدعم للنظام السوري. كما ويُلزم القانون رئيس الولايات المتحدة فرض عقوبات على رأس النظام السوري، ومساعديه، ومختلف أطياف النظام من وزراء ونواب وغيرهم، بتهمة انتهاك حقوق الإنسان. ويُدرس شمل البنك المركزي السوري بالعقوبات، إضافةً إلى الأفراد والشركات التي تموّل الأسد، أو تقدّم المساعدة له. كما ويشمل القانون كلّ من يقدّم الدعم العسكري، والمالي، والتقني، للنظام السوري من الشركات والأشخاص والدول، وحتى روسيا وإيران، ويستهدف كل من يتعامل مع الحكومة السورية أو يموّلها، وكلّ من يقدّم المعونات الخاصة بإعادة الإعمار في سوريا.

يضع "قانون قيصر" كل اقتصاد النظام السوري تحت المجهر الأميركي، وبالتالي فإنه من غير الممكن لأي شركة أن تدخل في علاقات تجارية مع النظام خوفاً من شمولها بالقانون. هذا الأمر بدا واضحاً قبل أشهر عندما سرت معلومات وصلت إلى مسامع اللبنانيين، حيث قدّم الأميركيون النصح لغرفة التجارة والصناعة في عمان بأن لا تقدم على خطوات تجارية مشتركة مع النظام في سوريا.

لا توجد منابع نفط تحت سيطرة النظام، ولم تعد المصانع والمعامل الأساسية التي كانت تُغني الاقتصاد السوري تحت سيطرة النظام، حيث تم تدمير معظمها في حلب، و/ أو هروب ما تبقى منها إلى تركيا. ولا توجد تحت سيطرة النظام أي بدائل حقيقية لمواجهة العقوبات، وتوفير أسباب البقاء، وهذا ما بدا واضحاً في الصراع الداخلي بين بشّار الأسد ورامي مخلوف على ما تبقى من الثروة داخل السلطة، إضافةً إلى الصراع المحتدم حول "الدولار كاش" المهرّب من لبنان، والذي كان له أثر كبير في سعر صرف الليرة السورية. لذلك فإن النظام سيدخل في قانون قيصر وهو على حافة الإفلاس، ولا يمكنه بناء اقتصاد مواجهة أو تكيّف مع هذا القانون، كما هو حال الاقتصاد الإيراني الذي يعتمد على ما يسميه "اقتصاد المقاومة" في مواجهته العقوبات الأميركية. وهذا لا ينطبق على واقع الحال في سوريا، حيث يقع النظام تحت عجزٍ كبير في تلبية الاحتياجات الأساسية من محروقات، وطاقة (مازوت، كهرباء)، ومواد غذائية، وإنه سيدخل قريباً في مرحلة الإفلاس.

"قانون قيصر" يطال كلّ من له مشاريع سياسية داخل سوريا، بمعنى أن الإدارة الروسية التي استثمرت عسكرياً، وتريد اليوم الاستثمار في أمور أخرى بديلة لتعويض الأكلاف التي دفعتها، والتي كانت مقبولة الى حد ما، تحتاج اليوم إلى أكلاف أبعد من عسكرية لإنقاذ النظام، ومنها الأكلاف المالية، وهذا يتطلب استثمارات عالية يتعذّر على موسكو القيام بها. كذلك يتعذّر على طهران القيام بذلك، فموسكو وطهران تخضعان لعقوباتٍ اقتصادية أميركية غير تلك التي يفرضها عليهما "قانون قيصر" الجديد، كما أنهما يعانيان من أزماتٍ اقتصادية متعددة الأشكال، وقد تضاعف حجمها بعد انتشار جائحة كورونا في البلدين.

ربّ قائلٍ إن عين بشّار الأسد على ودائع رامي مخلوف خارج سوريا. لكن حقيقة الصراع، وفق ما باتت ظاهرة للعيان هي على المداخيل السورية، حيث الليرة السورية تنهار بشكل سريع، وهذا مؤشّرٌ إضافي على تأثير العقوبات الجديدة. لذلك يعتقد العديد من العارفين بشؤون النظام السوري وأعماله الاستخبارية أنه سيعمل على فتح ثغرات أكبر في الحالة اللبنانية لامتصاص ما يمكن امتصاصه من الاقتصاد اللبناني الذي يقف على أبواب الانهيار أيضاً، مستخدماً كافة أشكال الترهيب المعتمدة.

إذا كان السوريون يحتاجون اليوم لتهريب الوقود والطحين من لبنان فإنهم، وبعد سريان "قانون قيصر" سيحتاجون إلى تهريب الأدوية والأغذية على أنواعها، وبالتالي سوف تشهد الأسواق اللبنانية المزيد من أعمال التهريب، واحتكار المواد الأساسية، وذلك بسبب منع الجيش اللبناني من ضبط وإقفال الحدود الشرقية مع سوريا. لذلك يقول المتابعون العارفون بإجراءات "قانون قيصر" إن مصرف لبنان لن يستطيع تلبية احتياجات الاقتصاد اللبناني، لأنه بات تحت الرقابة الدولية في هذا الخصوص. وقد يترتّب على لبنان قريباً أن يقدّم المصرف المركزي فاتورةً مسبقة بمشترياته قبل توقيع العقود مع الشركات المصدّرة، للتأكد من أن هذه العقود مخصصةٌ لتلبية احتياجات الأسواق اللبنانية فقط، ولا تضمر أي عمليات تهريب إلى سوريا. وما قرارات المصرف المركزي الأخيرة سوى تناغم مع هذه الإجراءات.

وتوقّعت بعض المصادر في اتصالٍ مع "الأنباء"، بأننا مقبلون على أشكالٍ مختلفة من الآليات والإجراءات الدولية لضبط الوضع، وفرض رقابةٍ على المشتريات اللبنانية، ورقابةٍ على ضخّ الدولار من خارج لبنان إلى المصرف المركزي، ومن المصرف المركزي إلى الخارج، وبحيث سيكون هناك نوعان من الرقابة، ما لم تكن قد بدأت من قبل: "رقابة على المشتريات الخارجية، ورقابة على عمليات ضخ الدولار (كاش) إلى لبنان (إلى المصرف المركزي، وإلى السوق اللبنانية)، وبالتالي سيكون لبنان أمام تداعياتٍ واستحقاقاتٍ لا علاقة لها بالحالة اللبنانية، إنما مرتبطة بتطبيق القانون الأميركي".  

ولا تستبعد المصادر أن، "يلجأ النظام السوري، في مواجهة الشدة العالية التي سيجد نفسه فيها، إلى تشغيل خلاياه المخابراتية والأمنية في لبنان وبأشكالٍ مختلفة، سواء التهريب أو الجريمة أو الاغتيال، أو تهديد الوضع الأمني، وذلك ليقول للأميركي، "إنك حين تضغط عليّ سيكون باستطاعتي تفجير الحالة اللبنانية من داخلها"". وهذا احتمالٌ رئيسي كرد فعل استخباري سوري على "قانون قيصر". وما يجري تداوله في كواليس السياسة المحلية من ضغوطٍ تُمارس هنا وهناك داخل الحكومة وخارجها، هي مؤشرات على ذلك.

في هذا السياق تبرز مساحة من الفوضى نسير نحوها حتى نهاية العام إلى حدٍ ما، فبعد أن حدّد المبعوث الأميركي، جيمس جيفري، خارطة طريق الحل السورية، ولم ندخل في سياق هذا الحل في الأشهر المقبلة، يعني أننا سنكون أمام فوضى واسعة النطاق، بحيث أن الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها سيفرضون مجدداً عقوبات جديدة على إيران في مجلس الأمن الدولي. وترتبط هذه العقوبات بتصدير واستيراد الأسلحة. وقد حذّر وزير الخارجية، مارك بومبيو، بشكلٍ واضح الصين وروسيا من مغبة استخدام حق النقض (الفيتو) لتعطيل تجديد تلك العقوبات.

وقال بومبيو، "لدينا وسائل أخرى سنستخدمها من خارج مجلس الأمن". والوسائل الأخرى التي قد تستخدمها واشنطن عادةً ما تكون أكثر قسوة من تلك التي تستخدمها بموافقة مجلس الأمن. وهذا سوف يضاعف من تعقيد الأزمة الإقليمية المتشابكة، وسوف نكون أمام جولةٍ جديدة من العنف ومن الأحداث الأمنية، وذلك مقابل تشددٍ أعلى في فرض العقوبات القاسية، والضبط، والربط السوري – اللبناني – الإيراني، في الوقت الذي لن تتمكن فيه الدولة العميقة اللبنانية، بكافة أشكالها وأطيافها، على التموضع في المساحة الأقل ضرراً لتجنيب لبنان مخاطر العواصف التي ستضرب المنطقة في الأشهر المقبلة حتى نهاية العام.