Advertise here

لبنان ولعبة الجنون مجددا... معارك ابتزاز بثوب الفيدرالية

25 أيار 2020 16:34:52

هناك في لبنان مَن يهوى الجنون، ومَن لا تستهويه العبَر، ولا التعلّم من التاريخ والتجربة. فعند كل أزمةٍ سياسية تلجأ بعض القوى السياسية، والطائفية خصوصاً، إلى طرح شعارات التقسيم مجدداً، تارة بشكلٍ فج، وأطواراً أخرى بأشكالٍ ملطّفة، كاستخدام عبارة الفيدرالية، أو استخدام مصطلح اللّامركزية المالية والإدارية الموسّعة. 

إن كلمة الفيدرالية هي تكريسٌ للتقسيم الطوائفي، وإعدام أي محاولةٍ لإحياء مفهوم المواطنة اللبنانية. وتلك لغةٌ تبرز عند كل منعطفٍ أساسيٍ يبلغه لبنان، الفريد بتنوّعه وصيغته، والدقيق في معادلاتها. أما اللّامركزية المالية والإدارية الموسّعة، فهو أيضاً طرحٌ يكرّس تقسيماً بين المناطق والطوائف، ويرسم الحدود على أساسٍ مذهبيٍ وطائفي، وبمعيار مالي. وغالباً ما تنفجر هذه السجالات في الأزمات السياسية، أو في معارك ابتزازٍ تخوضها بعض الأطراف في لبنان، مثل السجال الذي اندلع مؤخراً بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ حول الأزمة التي تعصف بالبلاد، وهي معركة سياسية وعسكرية في خلفياتها، ولها انعكاسات خطيرة مالياً واقتصادياً. وعلى نباهته المعتادة، استبق الرئيس نبيه بري هذه السجالات وما سترخيه من تداعيات على البلاد، فدعا إلى الخروج من العقلية الفيدرالية في مقاربة الملفات. 

وهنا تكشف معلومات "الأنباء" عن عقد حلقات نقاشٍ لدى مجموعات طائفية عديدة، للبحث في خياراتٍ فيدرالية، والاستعداد لعقد مؤتمرات تهدف إلى الذهاب إلى مدى أبعد وأعمق في تكريس هذا المنطق، وجعل عنوان الفيدرالية يطغى على ما عداه من سجالات في البلاد، وتقديم هذا الطرح الجديد على أنه الحلّ الأمثل لكل الأزمات.

وقد التقط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، خطورة ما يجري وما يُطرح من قبل هواةٍ أو طامحين وطامعين للعب أدوار سياسية، داعياً إياهم إلى الإقلاع عن مثل هذه الأفكار الهدّامة، والتي تؤسّس إلى مزيدٍ من الانهيار والتداعي. ومشكلة طارحي هذا العنوان هي في اعتبارهم بأنه مشروعٌ يسير بتوافقٍ ورضاً دولي، ويستلهمون ما جرى في العراق وسوريا، معتبرين أنه سيتكرّس في لبنان أيضاً، لذلك يلعبون دور الدعاة إلى تطبيقه بدون أي قراءة واقعية للتجربة اللبنانية. 

وبلا شك، فإن نقاش الفيدرالية لا يمكن فصله عن توقيته وتزامنه، مع الاستعداد الدائم لتطبيق صفقة القرن في فلسطين المحتلة، وهي الصفقة التي تتجلّى فيها كل محاولات التجزئة والشرذمة. ولتبرير يهودية إسرائيل، لا بد من شرذمة كل المجتمعات والدول المحيطة بها. مِن هنا أيضاً لا بدّ من ربط هذه النقاشات بما أثيرَ مؤخراً على لسان نواب التيار الوطني الحرّ بخصوص سلاح حزب الله وأنشطته، وكأنهم يضعون الحزب أمام خيارٍ من إثنين: إما الاحتفاظ بغطائهم، والشرعية التي يمنحونها لمشاريعه، مقابل غضّ نظره عن مشاريعهم في الداخل، أو اللّجوء إلى تغذية الفيدرالية وما يرتبط بها.

واستُكمل الرد على طرح الفيدرالية من قِبَل المفتي الجعفري الممتاز، أحمد قبلان، ومِن قِبَل نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الشيخ علي الخطيب، اللذان ذهبا أبعدَ من ذلك وطرحا سجالاً جديداً في مسألة النظام اللبناني بكليّته. فكان الرد على طرح الفيدرالية أقوى مما توقّعه الآخرون. 

وتشير بعض المعطيات والتقارير، إلى أن طرح الفيدرالية سيتزايد في المرحلة المقبلة. وهناك مجموعات كثيرة تتحضّر لتحركاتٍ ترتبط بالتسويق لهذا الطرح، وليس ما يجري من تشرذمٍ مذهبيٍ وطائفي، ولعبٍ داخل الطوائف، إلّا في سياق التأسيس لتعميم هذا الخطاب، وهو ما يستدعي الحذر دوماً من مثل هكذا طروحات، والتي ستعني في النهاية حروب الآخرين على أرضنا.