التقييم العام لأداء الحكومة الحالية التي تشكلت قبل 4 أشهر كان سلبيا، على اعتبار أنها أخفقت في وقف النزف المالي، ووقعت في تخبط هائل بين مجموعاتها الحزبية ولو كانوا من فريق واحد، كما استفزت الذين خارجها مجانا رغم أنهم لم يعارضوها بالفعل. ولولا بعض النجاح الذي تحقق بمساعدة القوى الحزبية والشعبية والبلديات في مواجهة جائحة كورونا، لكانت المأساة التي تعيشها البلاد مكتملة الأوصاف، ولا ينقصها أي من جوانب البؤس.
وما يزيد من خطورة الوضع، حالة الانفصام والازدواجية التي يتعاطى بها أركان الحكم في المجالات السياسية والقضائية والمالية، حيث إن الذين يحاضرون عن التصحيح والإصلاح والمحاسبة، هم ذاتهم المتهمون بالتجاوزات وبالوقوف وراء الانهيار، ويساندهم فريق من الأمنيين السابقين الذين وقفوا مع سلطة الوصاية ضد مسيرة البناء والاستقلال منذ العام 2000.
مهما يكن من أمر، فإن قرار مجلس الوزراء حول ملف الكهرباء الخميس في 14 مايو كان قرارا جريئا وتاريخيا، ويحسب في خانة الانجازات غير المسبوقة منذ 10 سنوات، ذلك أن التصويت على حصر إنشاء محطات توليد الطاقة على دير عمار والزهراني، واستبعاد تلزيم محطة سلعاتا، وبموافقة كل الوزراء ما عدا الخمسة المحسوبين على التيار الوطني الحر، أعطى صدمة إيجابية للوضع العام، خصوصا أن مثل هذا القرار لم تتمكن الحكومات السابقة من اتخاذه، لأن الوزير جبران باسيل كان يعارضه، ويشترط بدأ تنفيذ محطة توليد في سلعاتا التي تقع في دائرته الانتخابية في البترون، قبل أي عمل آخر.
ومن المفيد الاشارة الى أن محطة سلعاتا التي تعطل بسببها الحل لمشكلة الكهرباء، اصطدمت بقرار بلدي معارض لها، والأرض التي كان مقرر إقامة المحطة عليها هي أملاك خاصة، تعود معظم عقاراتها لمحسوبين على التيار او مقربين من الوزير باسيل، كما أن كلفة هذه الاستملاكات تصل الى ما يقارب كلفة بناء المحطة، أي في حدود 500 مليون دولار، ومالية الدولة حاليا تعاني من الافلاس، ومثل هذا المبلغ لا يمكن تأمينه بواسطة تمويل خارجي عن طريق قروض ميسرة، لأن التمويل الخارجي مخصص لكلفة إنشاء المحطات فقط، وفي الزهراني ودير عمار الأرض ملك للدولة.
وعلى أهميته، فقد احتوى قرار الحكومة حول تأكيد انشاء المحطتين الكهربائيتين على مكر سياسي، لأنه كلف وزير الطاقة المقرب من باسيل بالتفاوض مع الشركات التي ستبني المحطتين لتنفيذهما بالتراضي من دون مناقصة عمومية، وكان يلزم القرار تحديد مهلة زمنية للتنفيذ لا تزيد على سنة، خوفا من اعادة تعطيل المشروعين كما حصل منذ العام 2014 حتى اليوم، بحيث لم يسمح للشركة التي التزمت بناء محطة دير عمار سابقا بالبدء بالعمل بحجة أنها لم تدفع الضريبة غير الملحوظة في العقد، ولكن السبب الرئيس غير المعلن كان: عدم السماح ببناء أي منشآت قبل تلزيم محطة سلعاتا البترونية، كما حصل بالضبط مع البلوك رقم 4 النفطي وهو مقابل البترون أيضا، ولم يكن المكان المثالي لبدء عملية التنقيب غير الموفقة.
يجمع الخبراء أن الإنفاق على العجز في ملف الكهرباء منذ أن تسلمه وزراء التيار الوطني الحر يقارب 50% من الدين العام. وإصلاح القطاع المتهالك هو الشرط الأساسي الذي وضعه مانحو مؤتمر سيدر ومسؤولو صندوق النقد الدولي قبل تقديم أي مساعدة للحكومة.
ما أعلنه الوزير باسيل في مؤتمره الصحافي مبهم ومحير في آن. فمن جهة هو قذف بالمسؤولية عن تياره الذي تولى إدارة القطاع منذ 11 سنة، ومن جهة ثانية فقد حمل كلامه تهديدا مبطنا عندما قال: لا نقبل التفاوض معنا مجددا حول الكهرباء، وأرفقه بالقول «عندما يقتنعون بالتصحيح سيخرج رئيس الجمهورية من الحكم أقوى مما دخل» دون أن يعطي تفسيرا لما يقصد.