Advertise here

الرباعية الجديدة نسخةٌ أخطر عن الثلاثية القديمة

12 أيار 2020 08:05:00

إبّان الأزمات  الكبرى، والتي تحدث في أي دولة متحضّرة، تتداعى كل أطياف الأمة ورموزها الوطنية للتباحث والنقاش بقصد الوصول إلى السُبل الآيلة لإنقاذ الشعب من تداعياتها، ويتحمّل الجميع، كلٌ بموقعه ومسؤوليّته، مسؤولية تنفيذ الخطة التي تمّ الاتّفاق عليها.

هذا الأمر يتمّ في الأنظمة الديمقراطية التي تتمتع بحرية واستقلالية قرارها السياسي، وتمارس سيادةً كاملةً على أراضيها، وتغلّب مصالحها الوطنية على أي مصلحة أخرى، وهو ما يجعل إجماعها الوطني يشكّل الرافعة المحرّضة، والمحفّزة، للشعب وللحكومة من أجل التغلّب على الأزمات، ودافعاً قوياً للنهوض والتقدّم.

أمّا في لبنان فالصورة مختلفة في الشكل كما في المضمون. 

في الشكل، الدعوة وجّهها رئيس البلاد المؤتمن على الوطن والدستور وفق آخر التعديلات التي جرت عليه بموجب اتفاق الطائف. وموضوع الدعوة مهمٌ جداً، وهو مناقشة الخطة الاقتصادية التي ستنقذ لبنان من الانهيار الاقتصادي.

وفي الحقيقة حضر تقريبًا فقط العهد وحلفاؤه وحتى لم يحضر كل افرقاء الحكومة.

في الشكل أيضا: هناك خطة اقتصادية أقرّتها الحكومة.

في المضمون: الخطة وضعت مضمونها في الظل؛ في ظاهرها اقتصاد، وبين سطورها تبرز السياسة الهادفة إلى تغيير وجه لبنان الاقتصادي من الاقتصاد الحر المتميّز بنمو القطاع الخاص، والقائم على المبادرة الفردية الخلّاقة المقدِّسة للملكية الفردية، والتي يحميها القانون والدستور، إلى الاقتصاد الموجّه والممسوك.

في الشكل، ثمة عناوين حول وقف الهدر ومكافحة الفساد، وفي المضمون لا علاج الأزمات الفعلية مثل المعابر غير الشرعية التي من خلالها يتمّ  تهريب الدولار، والمازوت والطحين، ولا علاج لهدى في الكهرباء. 

في الشكل ثمة مَن يطمئن المواطنين بأن ودائعهم لن تُمسّ، وفي الوقت نفسه يتم شطب الديون المستحقة للمصارف على الدولة، ويجبرون المصارف على الدمج، ويجبرون المودعين على الاستثمار فيها عن طريق تحويل ودائعهم إلى أسهم، وبذلك تصبح المصارف أمام خيارين: إمّا الإفلاس، وإمّا البيع. أمّا المشترون فمن أصحاب الأموال السوداء الذين يتحكمون حالياً بسوق القطع والمسؤولون عن هذا الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية، وهم جاهزون للشراء، ولتملّك القطاع المصرفي والسيطرة عليه، استكمالاً للمضلّع الرباعي الجديد بدلاً من الثلاثية القديمة.

إن الثلاثية القديمة أدخلت لبنان في لعبة المحاور الإقليمية والدولية، وما زلنا نعاني من تداعياتها إلى اليوم. والرباعية الجديدة سوف تُدخلنا عصر الانعزال العربي والدولي، والانهيار الاقتصادي، والعودة إلى زمن المقايضة إذا، لا قدّر اللّه، ونجحت.

*هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".