Advertise here

هل دخلت خارطة طريق التسوية السورية حيّز التنفيذ؟

12 أيار 2020 10:50:00 - آخر تحديث: 12 أيار 2020 11:07:00

تتسارع التحوّلات والمتغيّرات السياسية الإقليمية، وتبرز معها ترتيبات أمنيةٍ وعسكرية جديدة تضع المنطقة على سكةٍ جديدة من السباق بين الحلول والانفجار. وقد برزت في الأسابيع والأيام الأخيرة مجموعة مؤشرات تجعل من بعض الفرضيات والسيناريوهات، والتي كانت تندرج تحت عناوين التمنيات، قابلة للتحقق، لا بل على درجة عالية من الواقعية.

ومن هذه المؤشّرات ما كشفه المبعوث الأميركي إلى سوريا، جيمس جيفري، في مقابلته الأخيرة مع صحيفة الشرق الأوسط، والحملة الإعلامية التي تشنّها الصحف الروسية المقرّبة من الكرملين ضد نظام بشّار الأسد وعائلته والمحيطين به، وما تلاها من إطلالاتٍ لرامي مخلوف، رأس الهرم الاقتصادي في النظام السوري.

لنفترض إذن أن التفاهمات التي جرت بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، قد أسفرت عن اتّفاق بإجراء الانتخابات الرئاسية في سوريا برعاية الأمم المتحدة، وتنفيذ القرارات الدولية المرتبطة بحل الأزمة السورية، لا سيّما قرار مجلس الأمن الدولي 2254، وإعادة تكوين الدولة السورية، وترحيل الأسد وعائلته، ومن دار في فلكه، مع أموالهم إلى روسيا بطائرة خاصة. ولنفترض أن هذا التحوّل حصل في العام 2021 على أبعد تقدير، فهذا يعني اننا أصبحنا أمام نظامٍ جديد في سوريا بكافة مكوّناته الأمنية والعسكرية والسياسية، وهذا النظام الجديد مرتبط بتفاهمٍ أميركي- روسي.

ما كشفه المبعوث الأميركي في الملف السوري في المقابلة المطوّلة التي أجرتها معه "صحيفة الشرق الأوسط"، من أن الإدارة الأميركية قد أوكلت إلى روسيا التعامل مع الأزمة السورية منذ العام 2012، يؤكّد، بمفعولٍ رجعي، ما سبق أن قاله وزير الخارجية الأميركي الأسبق، جون كيري، بأنهم [الأميركيون] طلبوا من وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الإسراع بإرسال قوة عسكرية روسية إلى سوريا لمنع إسقاط النظام السوري، وقد شاهدنا حينها التدخّل الروسي بأشكاله المختلفة.

يؤكّد هذا الاعتراف أن، "صمود النظام السوري"، لا يرتبط "بقوة النظام"، بل "بوظيفته في ضمان أمن إسرائيل". وهذا سبب بقاء الأسد ونظامه، وهذا ما اتّفق عليه الروسي والأميركي والإسرائيلي، أي "بقاءً إلى حين إيجاد بديلٍ يخدم المصلحة المشتركة للدول الثلاث، وخاصةً أمن إسرائيل، بطريقة أفضل من بشار الأسد". لذلك لم تعد هذه المقولة فرضيةً سياسية كما يسوّق البعض، بل باتت حقيقة موضوعية. وما كشفه جيمس جيفري في مقابلته، يشكّل خارطة طريقٍ للمسار السوري كانت قد رُسمت سابقاً، ويتمّ اليوم تزكيتها بعد أن أصبحت واقعاً ميدانياً. "اللجنة الدستورية يتم تفعيلها، وسوف تعود للاجتماع قريباً. وإعادة بناء المعارضة السورية سياسياً بدأت جدياً. وتمّ الاتّفاق على إجراء انتخاباتٍ جديدة لهيئة التفاوض. ومنطقة شرق سوريا سوف تبقى تحت هيمنةٍ أميركية، ونفوذٍ مباشر لقوات سوريا الديمقراطية (قسد). واتّفاق وقف إطلاق النار حول إدلب بين تركيا وروسيا مستمرٌ بغطاءٍ أميركي، وثمة دورٌ لتركيا في تلك المنطقة لضبط الميليشيات المعارِضة، بما فيها جبهة النصرة، وبما يضمن نصيباً سياسياً وأمنياً لتركيا في مستقبل سوريا. هذه الترتيبات سوف تُستكمل في نهاية المطاف بانسحاب كامل القوات الأجنبية عن سوريا بما فيها القوات الأميركية، على أن تبقى للجيش الروسي قوةٌ خاصة، ومواقع استراتيجية".

ترتيبات المرحلة الانتقالية في سوريا تستثني الشأن الإيراني، لأن قرار خروج إيران وميليشياتها من سوريا قد اتُّخذ، وينتظر التنفيذ في مرحلةٍ قصيرة المدى. وقد كشفت بعض التقارير الميدانية عن إخلاء إيران لعددٍ من مواقعها في شرق ووسط سوريا تحت تأثير القصف الإسرائيلي شبه اليومي لتلك المواقع، وبغطاءٍ روسي. والقضية ليست مسألة انسحاب بقدر ما هي عملية إنهاء الوجود الإيراني في سوريا. وقد أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أنهم [في إسرائيل] قد انتقلوا، "مِن حالة رصد تراكم الأسلحة الإيرانية في سوريا ومنع استخدام هذه الأسلحة، إلى حالة الهجوم المباشر على القوات الإيرانية من أجل طردها من سوريا". وما يجري بشكلٍ يومي فوق الأجواء السورية هو مؤشرٌ لسرَيان تطبيق التفاهم الثلاثي (الأميركي – الروسي - الإسرائيلي).
 
وفق هذا السياق الذي دخلته سوريا بعد معركة إدلب الأخيرة - وفي ظل تداعيات جائحة كورونا على إيران والمنطقة، وتضاعُف تأثير العقوبات الأميركية على إيران وحلفائها، وشحّ الموارد المالية في دول جبهة الممانعة، وعلى وقع حملةٍ إعلامية روسية هي الأقوى ضد بشّار الأسد - انفجر الخلاف داخل البيت الأسدي، وداخل الطائفة العلوية، وداخل العشيرة الحاكمة القائمة على تحالف بعض العائلات، وفي مقدمها آل الأسد وآل مخلوف، لتفضح، ومن الدائرة الضيّقة للنظام، مستقبله ومصيره. وفي هذا السياق انكشفت معلوماتٌ كثيرة تقول إن أسماء الأسد، (زوجة بشار) هي التي تتولى نقل الأموال، وترتيب عملية الخروج إلى روسيا بعد انتهاء فترة ولاية الحكم، أو في أي لحظة طارئة، بحيث أصبح هذا الأمر قيد التنفيذ، وليس مجرد إشاعات أو تمنيات.
 
وبعد أن سقط الشعب السوري بكافة أطيافه ضحية لعبة الأمم، يمكن القول إن المعالجة السياسية الراهنة للحالة السورية، والتي كُتب عنها الكثير قبل وبعد معركة إدلب الأخيرة، وتحت عناوين مختلفة، وبعد انكشاف معالم خريطة الطريق الأميركية، والالتزامات الروسية، والالتزامات الإسرائيلية، والالتزامات التركية، [قد أخذت طريقها إلى التنفيذ]. وماذا بعد أولوية إخراج إيران من سوريا، وصولا إلى الحديث عن إنجاح المفاوضات المتعلقة بمؤتمر جنيف، والتمهيد لإجراء انتخابات تحت إشراف ورعاية الأمم المتحدة؟ سيضرب التغيير الكامل، وفي القريب العاجل، بنية النظام السوري وهيكليته ووظائفه. وتحت عنوان الديمقراطية والانتخابات الحرة، ستتشكّل سوريا الجديدة، والتي بدأت معالمها تتضح. فهل يكون لبنان بعيداً عن تداعيات هذا الحل؟ وهل سيقع اللبنانيون مجدداً ضحية تلك التسويات والصفقات؟