هل تشكّل الأملاك البحرية مدخلاً لشراكة الاستثمار؟

10 أيار 2020 20:59:43

في السابع من الشهر الجاري، أصدر مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، قراراً وصفه البعض بالتاريخي، وطلبَ فيه من وزارة الأشغال العامة تنفيذ أعمال الإخلاء، ووضع اليد على المخالفات في الأملاك البحرية. كما طلب القاضي عويدات اتّخاذ الإجراءت اللّازمة لتحديد الشروط المفروضة لكيفية استثمارها لاحقاً من قِبل الدولة...

لا شكّ في أن هذا القرار، فيما لو نُفّذَ، سيكون له أثرٌ كبير على أوضاع البلاد، لا سيّما الوضعَين الاقتصادي والمالي، ناهيكَ عن أن ذلك قد يشكّل بدايةً جيّدة لعملية ضبط الهدر. فموضوع الأملاك البحرية، لو تمّ وضع يد الدولة عليها واستثمارها منذ تسعينيات القرن الماضي (اقتراح قانون نائب جبهة النضال الوطني يوم ذاك، المرحوم وديع عقل)، لكان من الممكن أن يُدخل إلى خزينة الدولة مبالغَ لا يُستهان بها.

القرار صدر عن القاضي عويدات إثر الإخبار الذي تقدّم به الحزب التقدمي الاشتراكي، والذي أعلن في بيانٍ له إنه سيتابع مسألة إنفاذ القرار منعاً للمماطلة، أو التدخلات، لحماية الشاغلين المخالفين.

لكنّ الحزب، وفي بيانه المذكور، ذهبَ إلى مكانٍ أبعد بكثير من مجرد سعيه إلى تطبيق القرار، وتنفيذ الإخلاءات، ومعاقبة المخالِفين وتغريمهم، بل طرحَ للنقاش طرحاً براغماتياً لاستثمار تلك الممتلكات، حيث دعا إلى مناقشة اقتراح إنشاء شركةٍ وطنيةٍ يساهم فيها اللبنانيون لإدارة الممتلكات المستردَّة.

هذا الطرح يمثّل نوعاً من أنواع الشراكة باستثمار الممتلكات العامة بين الدولة والمواطنين، ويُمكن اعتماده لاستثمار الكثير من ممتلكات الدولة كقطاع الاتصالات، وربما الكهرباء، وطيران الشرق الأوسط، وكازينو لبنان، وغيرها من القطاعات، إضافةً إلى عقاراتٍ ومبانٍ غير مستثمرة، ويمكنها لو تمّ استثمارها أن تعطي مردوداً كبيراً، وذلك كبديلٍ عن خصخصتها أو بيعها.

إن الشراكة بين الدولة والمواطنين - واستطراداً القطاع الخاص - في أشكالها المتعدّدة، أثبتت في دولٍ كثيرة أهميّتها في نمو القطاعات الإنتاجية، ذلك لأن دخول مساهمين من المواطنين وشركات خاصة بنسب غير احتكارية، كمشاركين في الاستثمار، يشكّل دافعاً كبيراً لتطوير الاستثمارات وتحسين جدواها، كما يؤمّن مستوى أفضل من الرقابة.

أما في لبنان، وفي هذه المرحلة الصعبة بالذات، قد يكون لهذا الطرح أهميةً خاصة واستثنائية، فالبلاد اليوم بحاجةٍ لإعادة تحريك عجلة الاقتصاد، ودفعه للإرتكاز على قطاعاتٍ إنتاجية وعدم اقتصاره على القطاعات الريعية، فيما الدولة ترزح تحت وطأة أزمةٍ مالية خانقة جعلتها عاجزةً عن سداد ديونها المتمثّلة بسندات اليوروبوند، وهي تسعى للحصول على مساعدات وللإقتراض. وقد سبق ولمّحت إلى احتمال استخدام نِسَباً من أموال المودعين، علماً أن لديها ممتلكاتٍ كبيرة غير مستثمرة، أو يُمكن استثمارها بشكلٍ أفضل وأجدى. وقد يمثّل طرح موضوع شراكة الاستثمار واحداً من أهم السُبُل لذلك.

 كما أنه يُمكن لمثل هذا الطرح أن يدفع باتّجاه شراكات بين الدولة والمواطنين المقيمين، وكذلك المغتربين وهذا أمرٌ على قدرٍ كبيرٍ من الأهمية، بحيث يعزّز روابطهم بوطنهم، ويدفعهم إلى ضخّ أموالٍ جديدة إلى البلد، واستخدام ودائعهم الموجودة في المصارف اللبنانية بدل السعي إلى سحبها إلى الخارج.

كما أن ذلك سيؤدي إلى خلق فرصٍ عمل جديدة، وبالتالي سيساهم بالتخفيف من أزمة البطالة التي استفحلت، وأصبحت تشمل نسبة كبيرة جداً من اليد العاملة. ويمكن، إضافة لذلك، وعلى سبيل المثال، أن تساعد فرص العمل هذه في بلورة بعض الحلول لمشكلة فائض الموظفين في القطاع العام، والذي يجعل من الصعب على الدولة أن تقوم بصرفهم في هذه الظروف المعيشية الكارثية. ويُمكن، بدلاً من بقائهم عبئاً ثقيلاً على كاهلها، أن تعيد توظيفهم، أو إبقاءهم في سلك الوظيفة العامة مع تجيير خدماتهم إلى الشركات الناشئة، تبعاً لاختصاصهم وإمكاناتهم، على أن تُحتسب تقديماتهم من ضمن مساهمة الدولة.

هذه بعض الأفكار التي يمكن تطبيقها، أو درسها وتطويرها، في حال صفت النوايا وتمّ الانطلاق في مسارٍ جديٍد، وبعيدٍ عن الهدر والفساد، علّنا نعيد البلاد إلى سابق عهدها من البحبوحة والازدهار، ولكن المستدامَين المبنيَّين على أسسٍ علميةٍ متينةٍ وثابتة.

*هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".