Advertise here

لا يا سادة... لبنان كان منذ القِدَم

10 أيار 2020 18:43:32

لا يا سادة... فلبنان ليس لقمةً سائغةً هائمةً في فضاء هذا العالم بين مجموعةٍ من ذئابٍ متربّصين. لبنان ليس بلداً حديثَ العهد، ومن الغُبن التحدّث عن مئوية لبنان، لأن تاريخه يعود إلى آلافٍ مضت من السنين. 

لبنان، الذي حاولتْ أن تتناهشه غربان الزمن، لم يغِب عنه نواطيرُه كما غابت عن مصر نواطيرها فيما مضى، وإن غابوا فغيبتهم مؤقّتة، وسوف تنتهي عمّا قريب، ليعود أقوى مما كان. 
لبنان ضاربةٌ جذوره في أعماق التاريخ، وهو أقدم مما يتصوره البعض، وأكاد أقول إنه توأم التاريخ وجوهرته. أبناءُ لبنان جابوا البحار منذ القِدَم، ومارسوا التجارة مع أبناء الإغريق ومَن جاورهم. نقلوا أبجديتهم إلى أبناء الجُزر، وبنوا مراكزَ تجارية لهم على سواحل البحار، وغدتْ إحداها مملكةً قويةً تحدّت امبراطوريةً حَكَمت العالم المعروف في زمانها. وهناك من يقول بأنهم وصلوا إلى جنوب ما يُعرف اليوم باسم أميركا الجنوبية.
وتشهدُ واحدةٌ من أقدم الحضارات التي شهدتها الأرض، إن لم تكن أقدمُها، أي الحضارة السومرية، على وجود هذا البلد. وتورد أقدمُ أساطير تلك الحضارة، ملحمة جلجامش، ما يلي:
... ...
وفي اليوم الثالث من مسيرة الشهر ونصف،
اقتربا، رويداً رويداً، من جبل لبنان.
(  Penguin Classics, 1999, p30 The Epic of Gilgamesh, translated by Andrew George)

أما العهد القديم فقد أورد اسم لبنان في أكثر من موضعٍ واحد، ونقرأ فيه ما يلي:
- وتكلّم عن الأشجار، من الأرز الذي في لبنان إلى الزوفا النابت في الحائط... (الملوك الأول: الإصحاح الرابع: 33)
- ... والآن فأمُر أن يقطعوا لي أرزاً من لبنان... ... لأنك تعلم أنه ليس بيننا أحدٌ يعرف قطع الخشب مثل الصيدونيين. (الملوك الأول: الإصحاح الخامس: 6)
- ... عبيدي يُنزلون ذلك من لبنان إلى البحر... (الملوك الأول: الإصحاح الخامس: 9)
- ... فأرسلهم إلى لبنان عشرة آلاف في الشهر بالنوبة. يكونون شهراً في لبنان وشهرين في بيوتهم... (الملوك الأول: الإصحاح الخامس: 14)
- وأما بيته فبناه سليمان في ثلاث عشرة سنة، وأكمل كل بيته، وبنى بيت وعرِ لبنان طوله مئة ذراع وعرضه خمسون ذراعاً وسُمكه ثلاثون ذراعاً... ... (الملوك الأول: الإصحاح السابع: 1)
- الملك سليمان عمل لنفسه تختاً من خشب لبنان... (نشيد الأنشاد: الإصحاح الثالث: 9)
- ... أنفكِ كَبُرج لبنان الناظر تجاه دمشق... (نشيد الأنشاد: الإصحاح السابع: 4)

أما أبو الطيّب المتنبي، والذي قدِم إلى لبنان مراتٍ عدة، فقد جاء في أشعاره على ذكرِ لبنان، وعلى طيب رائحة تفاح لبنان، وكذلك ذَكَر الثلوج التي تكلّل جبال لبنان ومنعَتْه من عبورها عندما أراد العودة من إحدى زياراته له:

بيني وبين ابي عليّ مثله
شمّ الجبال ومثلهن رجاء.
وعقابُ لبنانٍ وكيف بقطعها
وهو الشتاء وصيفهنَّ شتاء.
لبس الثلوج بها على مسالكي
فكأنها ببياضها سوداء...

والأبيات السابقة تُثبت بأن اسم لبنان كان متداولاً في عصر الدولتين الأموية والعباسية.

أيمكننا بعد كل ذلك أن نتحدث عن مئوية لبنان؟ أليس من الأجدر بنا أن نحتفل بألفية هذا البلد بعد قيامته الجديدة، والتي نرجو أن لا يطول انتظارها؟