Advertise here

لبنان أمام صعوبات كبيرة

08 أيار 2020 13:10:07

أهم الصعوبات التي تواجه لبنان اليوم إضافة إلى الوباء القاتل، البُعد عن الواقع في تفسير أسباب المشكلات المالية، وطريقة معالجتها.

لم تتمكن جائحة كورونا من طي صفحة الصعوبات المالية التي كان يعيشها لبنان منذ 17 أكتوبر 2019، لكنها أعطت فرصة ذهبية للحكومة وللحكم، ذلك أن الحكومة كثفت عقد الاجتماعات الوزارية والمجلس الأعلى للدفاع، وقامت بجولات ميدانية في بعض المستشفيات والأماكن العامة، وهذه الاجتماعات والجولات كانت مُتعذرة قبل ظهور كورونا؛ لأن أعضاء الحكومة كانوا يواجهون غضباً شعبياً عارماً جراء الأوضاع المعيشية، أدى أحياناً إلى قطع الطرقات، وإلى طردهم من الأماكن العامة.

استطاعت القوى الحزبية والشعبية اللبنانية أن تساعد الحكومة في محاصرة الوباء القاتل، من خلال المبادرات المناطقية والبلدية، وعبر حملات التبرع السخية التي قام بها البعض، لكن الكلام عن نجاح المواجهة مع «كوفيد - 19» مبكر جداً، في ظل الغموض الذي يُخيم على الزوايا المعتمة التي تسبب فيها الفيروس في كل أنحاء العالم، خصوصاً من ناحية التأخر في إيجاد دواء يؤمن مكافحة ناجعة للمرض ومحاصرة عدواه.

الصعوبات التي تواجه لبنان في هذا الوقت العصيب، أكثر بكثير من الصعوبات التي قاستها أغلبية الدول التي عانت الوباء، حيث إن ما حصل في بلاد الأرز من غلاء أسعار المواد الغذائية بشكل جنوني، وعدم قدرة اللبنانيين على السحب من ودائعهم في البنوك، أضفى مأساة حقيقية على معيشتهم القاسية أصلاً، بسبب توقف الأعمال، جراء الحجر المنزلي الخانق في منازلهم.

الاختناق المالي والاقتصادي في لبنان يُسجِّل أرقاماً قياسية لم يصل إليها أيام الحروب المشؤومة التي عاشتها البلاد في القرن الماضي. وقد تجاوز سعر صرف الدولار الأمريكي الواحد عند الصرافين 4200 ليرة لبنانية، وودائع المواطنين في البنوك التي تزيد على 70 مليار دولار بالعملات الصعبة، لا يستطيعون الوصول إليها، أو

استخدامها في تحسين معيشتهم، ولا في تحويلها إلى الخارج.

الأزمة المالية اللبنانية لها خصوصية غريبة، وتتعرض لتأويلات أو تشويش سياسي هائل. فهناك مَن يعتبرها ناتجة عن اختلال في النظام المصرفي اللبناني أو جراء سوء إدارة مصرف لبنان للقطاع النقدي. وهناك من يرى

أن السياسة الخارجية التي تعتمدها الدولة، أدت إلى عزل لبنان وحرمته من أية مساعدة من أصدقائه التقليديين الذين كانوا يقفون إلى جانبه على الدوام، ويقدمون له هبات نقدية أو ودائع تُنقذ قيمة عملته الوطنية. وفريق آخر يعتبر أن الاختلال الهائل في أداء الدولة من ناحية تحميل المالية العامة أعباء كبيرة، جراء عجز قطاع الكهرباء وإهمال جباية المستحقات الضريبية على المعابر الحدودية، هي السبب في الأزمة الخطرة التي تعيشها البلاد.

من المؤكد أن مجموعة العوامل آنفة الذكر، لها دور في السقوط الذي حصل في لبنان، لكن المؤكد أيضاً أن كثيراً من المشكلات التي أدت إلى الانهيار، كان يمكن تلافيها لو تنبه المسؤولون عن إدارة الدولة للمخاطر قبل وقوعها، خصوصاً أن عدداً من الخبراء أطلقوا تحذيرات من مستقبل الوضع المالي، ومن خطورة استمرار عداد الدين قبل سنوات، لكن بعض الذين يمتلكون تأثيراً في إدارة الدولة، لم يصغوا لهذه التنبيهات، وقد استمروا في اعتماد سياسة الاستدانة من البنوك بسندات خزينة وبفوائد عالية، لتمويل العجز في قطاع الكهرباء وفي توظيفات غير مُجدية أخرى.

أهم الصعوبات التي تواجه لبنان اليوم إضافة إلى الوباء القاتل، البعد عن الواقع في تفسير أسباب المشكلات المالية، وطريقة معالجتها. وقول رئيس الحكومة حسان دياب، إن الأموال تبخرت قبل تشكيل وزارته، أثار مخاوف واسعة، وخلق هلعاً غير مسبوق، علماً بأن أموال المودعين لم تتبخر، فقد استدانتها الدولة، والدولة اللبنانية غنية وغير مفلسة، لكنها تحتاج لشجاعة اتخاذ القرار في فك العزلة العربية والدولية عن لبنان، وفي استخدام ممتلكات الدولة الكثيرة لتوفير حماية للمدخرات، وفي وضع خطة للإصلاح والإقلاع عن محاولة تغيير نمطية النظام الحر.