Advertise here

الرسالة الأصدق لالتزام قضايا العمّال

30 نيسان 2020 13:08:00 - آخر تحديث: 30 نيسان 2020 17:26:33

إنّ اختيار الأول من أيار من العام 1949، عيدَ العمّال العالمي لإطلاق الحزب التقدّمي الإشتراكي، إنما هو الرسالة الأصدق من الرئيس المؤسّس المعلّم كمال جنبلاط، كما مِن رفاقِه لمدى التزام الحزب قضايا وشجون العمال. ولعلّ شغل المؤسّسين الشاغل في سياق تحقيق الإشتراكية الأكثر إنسانية، هو قيام مجتمع الكفاية والعدل.

والكفاية تعني الردّ الشامل على حاجات جميع المواطنين، أي أن لا يبقى واحدٌ منهم دون أن يتوصّل إلى مستوىً من المعيشة المادية والمعنويّة يؤمّن له إرواء حاجات عيشِه الأساسيّة... أما العدل، فينبغي أن يتحقق في الإنتاج، وفي توزيع الاستهلاك، وفي الخدمات الاجتماعيّة على السواء.

ليس هذا فقط، وإنما الحديث عن مجتمع الكفاية والعدل كان ليَمُرّ ككلمةٍ عابرة، لو لم نجد ضالتنا في نتاج الفكر التقدمي للمعلّم كمال جنبلاط، وفي عدة نقاط قد تثير الذهول، ومنها: رؤاه بإمكانية إلغاء البطالة!! وثانياً توغّله في البحث عن تنظيمٍ يساعد إلى حدٍ كبير على إلغاء البطالة، من خلال تقسيم العالم إلى تجمّعات، أو فيدراليات من الدول، أو إلى كتلٍ اقتصادية، سيّما والبطالة مشكلةٌ في غاية الخطورة، والتي هزّت العالم أثناء حصول الأزمة الاقتصادية بين عامَي 1929 و1939، وقد تهزّه من جديد مع الأزمة الاقتصادية الحالية والتي يمرّ بها العالم بسبب جائحة كورونا، ولطالما جاءت جُلَّ انعكاساتها على حساب العمّال، وهو ما يشكّل ضغطاً إضافياً على سوق العمل، وتصاعدَ أرقام نِسَب البطالة، وتضاؤل القدرة على خلق فرص عمل إضافية.

لكن المنفَذ من تلك الأزمة متاحٌ بوضوح في مثالٍ نسوقه، وكان قد اتّخذه المعلّم، وناضل إلى جانب العمّال في سبيل تحقيقه، وإن الأخذ به مجدداً وتكراره قد يضع حداً لأزمة البطالة تماماً؛ ألا وهو تقليص ساعات يوم العمل يومذاك من 12 ساعة، إلى ثماني ساعات من العمل الفعلي، علماً أن ذلك أدّى إلى خلق فرص عمل جديدة تقارب نسبة الثلث، وهو ما يحتاجه تقريباً بلدٌ يعاني اليوم من 30% بطالة، لا أكثر ولا أقل.

وبطريقةٍ حسابية بسيطة نجد أن كل يومَي عمل من اثنتي عشر ساعة، أصبحا ثلاثة أيام عملٍ من ثماني ساعات، أي أن كل فرصتَي عمل بالدوام السابق أصبحت ثلاث فرص عمل، وهو ما يعني أنه تمّ خلق فرصة عمل جديدة. إذاً باتت الحلول واضحة، والمخارج متاحة من خلال إعادة النقاش حول عدد ساعات يوم العمل، وربما عدد أيام العمل أيضاً. 

ويجوز أن يبقى عدد ساعات العمل أكبر أو أقل، فالأهم هو سدّ الهوّة، ورأب صدع الحاجة من الوظائف التي ستتفاوت بين مهنةٍ ومهنة، أو بين قطاعٍ وقطاع، نظراً لكثافة الخرّيجين في بعض الاختصاصات، وندرتها في قطاعٍ آخر.

فألفُ آهٍ وآه لو تُعير الأمم المتحدة، بعد أن تنتهي من مواجهة الجائحة، موضوع أزمة البطالة العناية الكافية، وأيضاً اختزال بعض الصناعات المدمّرة للبيئة، أو تقليصها إلى الحد الأدنى، لا سيّما صناعة كمالياتٍ يمكن الاستغناء عنها، والعمل انطلاقاً من مبدأ الإنسان أولاً - على طريقة المعلّم كمال جنبلاط - واعتماد الإنسان محور العمل وليس الوظيفة، وذلك من خلال العمل على خلق كتلٍ اقتصاديةٍ يمكن معها تحويل النظرية إلى واقع، وإلى نموذجٍ يُحتذى، ويكون عبارة عن مكانٍ جغرافي محدّد، وقد يكون عبارة عن دولةٍ معيّنة، أو محافظةٍ ما من دولة ما.

يبدأ ذلك بتحديد من هم بحاجة لعمل، أي إحصاء كل العاملين والخرّيجين في شتى المجالات، وفي المكان المحدّد جغرافياً، ثم خلق فرص عمل موازية، من خلال "هيركات" Haircut لساعات العمل، أي تخفيض عدد ساعات العمل في الوظائف الموجودة. ويمكن تخفيض الرواتب بالنسبة نفسها بادئ الأمر، لتحاشي أي تضخمٍ قد ينتج من جرّاء أي زيادةٍ في الكتلة النقدية، ثم يبدأ السعي بعد ذلك إلى خلق ساعات عمل إضافية، سيّما وأن مشكة البطالة، لمجموعاتٍ لا حول لها ولا قوّة، ستتحوّل إلى مشكلة خلق عمل إضافي، أو ساعات عمل إضافية والتي يعاني منها جميع العاملين، والمبدعين منهم أيضاً.

إذاً، الحل يبدأ من عدالة توزيع ساعات العمل على العاملين - عدالة رقمية - وبالتالي توظيف قُدُرات كل العاملين، وهو أمرٌ قد ينتج عنه عدالة عضوية - جوهرية من خلال اكتشاف مواهب وتمايز البعض منهم. وهؤلاء يعوّل عليهم المساهمة في إيجاد الحلول من خلال مبادراتهم الشخصية التي تساهم في خلق مشروع "Project". ويحفّزهم على تحقيق ذلك، أولاً: رغبتهم في زيادة مداخيلهم، وثانياً: حدّة ذكائهم، واستخدامهم لقدراتهم الذاتية، ما قد يساهم في خلق المزيد من ساعات العمل الإضافية لهم، وربما أيضاً لأشخاصٍ آخرين يحتاجونهم معهم، منها المؤقّت ومنها المستدام، وذلك بحكم قابلية الفكرة للتوسّع، كما للتناسخ.

ختاماً، إنّ الفكر التقدمي الإشتراكي إنّما هو بحرٌ من الحلول، وما أحوجنا أن نعود إليه، وننهل منه بلا هوادة، وهو ربيبنا في أن نتمسّك بما أثبت جدواه، ونلفظ ما عداه.

*هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".