Advertise here

التباين الروسي الإيراني في سوريا... أسبابه وأبعاده

29 نيسان 2020 21:13:00 - آخر تحديث: 29 نيسان 2020 22:19:47

تزداد يوماً بعد يوم وتيرة الغارات الإسرائيلية على مواقع إيرانية في سوريا، وتزداد معها عناصر التباعد بين إيران وروسيا. لكن ليست إسرائيل وحدها سبب الخلاف الروسي - الإيراني في سوريا، إنما رأس النظام، والموارد الاقتصادية والنفطية، والمرافئ، وموقع ودور الطرفين في مستقبل سوريا. فالاتّفاق على حماية بشار الأسد ونظامه بات إشكاليةً تواجه الحليفين في زمن العقوبات الدولية، المعطوف على جائحة كورونا. وتيمناً بالمثل الشعبي القائل "القلة تولّد النقار"، بدأ التصدّع يضرب رأس جليد الخلافات بين الحليفين، وبدأت تظهر إلى العلن الخلافات الاستراتيجية بينهما. 

وفيما لم تُفلح جولة المحادثات التلفزيونية المغلقة التي أجراها وزراء خارجية الدول الحاضنة لاتّفاق "آستانة" في توحيد رؤى الأطراف الضامنة، لم ينجح بيان السفارة الروسية في بيروت في نفي تلك الخلافات، أو تغطية التباينات بين الحلفاء، لا بل ضاعف من التساؤلات حول تلك السابقة، والتي برّرها السفير الروسي في لبنان بقوله، "بسبب موقع بيروت الإعلامي وللحرص على السرعة في وصول الرسالة"، حيث ركّز البيان على نفي الشائعات المرتبطة بالحديث عن صفقات بين أميركا وروسيا وتركيا على حساب السيادة السورية، ولم يأتِ على أيّ ذكرٍ للأسد أو نظامه. واكتفى البيان بالتأكيد على "وحدة الأراضي السورية" دون أي إشارة إلى إيران.
 
لم تتحوّل العلاقة بين الروس والإيرانيين في سوريا إلى تحالفٍ استراتيجي، لا بل فإن اختلاف أجندتيهما كشفت تناقضات الرؤى والمصالح بينهما. وعلى الرغم من اتّفاقهما على دعم نظام بشار الأسد والحفاظ عليه، وعلى بقائهما في حالة تنسيقٍ دائم، لم يمنع ذلك من تأرجح العلاقة بينهما من التعاون والتزاحم تارةً، والانحراف والمواجهة العسكرية تارةً أخرى، وذلك كما جرى في أوقات مختلفة في عددٍ من المناطق التي تتواجد فيها قواتهما، وأبرزها في حلب، وإدلب، ودير الزور، والتي أخذت طابعاً جدياً في الأسابيع الأخيرة، مع تسريب معلوماتٍ شبه مؤكدة عن استمالة روسيا أحد الفصائل التابعة لإيران لصالح العمل مع قواتها.

وكشف موقع "ذا ناشيونال"، أن قيادياً في ميليشيا "فاطميون"، التابعة للحرس الثوري الإيراني، قَبِلَ بعرضٍ روسي لتسليح وتدريب مقاتلي الميليشيا، وذلك ضمن جهود روسيا لتحديد السيطرة الإيرانية في سوريا، لا بل فإن هذه الخطوة مكّنت روسيا من وضع موطئ قدمٍ قويٍ لها في شرق البلاد المضطرب لا سيّما دير الزور، حيث يتمركز "لواء الفاطميون"، والتي تستحوذ على العديد من حقول النفط المربحة. 

والجدير بالذكر أن روسيا تنافس إيران في توقيع العقود الاقتصادية، والسيطرة على المواقع السيادية في الدولة السورية، وهو ما يثير غضب الإيرانيين، حيث تعارض روسيا أيضاً سيطرة إيران على مرفأ اللّاذقية، وتعيق تمديد خط سكك الحديد الذي يربط إيران بالعراق مع اللّاذقية.
 
اختلاف المصالح بين موسكو وطهران لم يكن خافياً على أحد. فإيران ترى في بقاء بشار الأسد هدفاً أساسياً لها، فهو بالنسبة اليها خطٌ أحمر، بينما يمكن لموسكو أن تتجاوز هذا الخط والذي تعتبره وسيلةً يخدم مصالحها. ويبدو أنها، ومن خلال الحملات الإعلامية المركّزة على الأسد وحاشيته، وسياسة الفساد التي يعتمدها، فقد بدأ الكرملين يعيد النظر في جدوى استمرار الأسد على رأس النظام السوري، وآخرها الاستبيان الذي أجرته شركة استطلاع رأي روسية، والذي يبيّن عدم شعبية الأسد، حيث وصلت هموم السوريين الموالين للذروة. ولعل ذلك ما دفع وزير الخارجية الإيراني إلى كسر عزلة "كورونا"، وزيارة دمشق على عجل لدعم الأسد.

وقد بيّنت نتائج الاستبيان الذي استطلع رأي 1000 سوري داخل مناطق النظام، في شهر نيسان 2020، وبحسب ما أفادت به وكالة ريا فان RIA FAN  (القريبة من الكرملين)،أن فقط 31.4% يفضلون بقاء الأسد، و 41.3% لهم رأي سلبي ومعارضٌ له، و27.3% يرفضون الإجابة، أو تهرّبوا منها.

ومن معالم التباين بين الروس وإيران أيضاً، عدم رضى الأخيرة عن الاتفاقيات التي توصلت إليها روسيا بدءاً من اتفاقية وقف الأعمال العدائية، والتي توصّلت إليها بالتعاون مع واشنطن في السابع والعشرين من شباط 2016، وصولاً إلى مفاوضات مناطق خفض التصعيد، وكيف أقسم المندوب الإيراني في مؤتمر "أستانة- 6" بأنه لن يتم اتفاق إدلب، وستعمل إيران على تخريبه، إلى الضربة الموجعة التي تلقتها قواتها وميليشياتها من تركيا قبيل اتفاق 5 أذار 2020 بين روسيا وتركيا، والذي استبعد إيران عن طاولة المفاوضات، إلى السكوت الروسي عن الضربات الإسرائيلية المستدامة على مواقع الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الموالية لها، لا سيّما حزب الله، حيث لم تستخدم روسيا الدفاعات الجوية أس 300 التي تنشرها في سوريا.

في 25 حزيران من العام 2019، عُقدت في إسرائيل قمة أمنية جمعت مسؤولين أميركيين وروس وإسرائيليين، وخُصّصت للبحث في مستقبل سوريا، وقال بعدها رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو، إن "هناك اتّفاقاً إسرائيلياً- أميركياً- روسياً على أنه يجب إخراج إيران من سوريا، لكننا نختلف على كيفيّة تنفيذ ذلك".

وفي 19 شباط الماضي أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، نفتالي بينيت، عن انتقال تل أبيب من استراتيجية الدفاع إلى استراتيجية الهجوم ضد طهران. وأكّد أن هدفه يكمن في إخراج القوات الإيرانية من سوريا، وأعلن عن وجود اتّفاق بين إسرائيل والولايات المتحدة مفاده أن "تل أبيب تتحمّل المسؤولية عن مواجهة إيران في سوريا، فيما تُعدّ واشنطن مسؤولة عن التصرف ضد الجمهورية الإسلامية في العراق". وبعد انتهاء الانتخابات الإسرائيلية في آذار الماضي تضاعفت وتيرة الهجمات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا، والتي استهدفت مسؤولين إيرانيين، ومواقع لحزب الله اللبناني، في الوقت الذي بدأت فيه الضغوط الأميركية على إيران في العراق مطلع العام مع اغتيال قاسم سليماني، قرب مطار بغداد.

لقد وصلت روسيا إلى الحد المطلق الذي يمكن أن تحقّقه في سوريا، سواءً لأغراض بيع الأسلحة، أو تلميع سمعتها أمام المجتمع الدولي. واليوم، وفي ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها، وفي ظل أزمة كورونا، وبعد وصول أسعار النفط إلى مستويات منخفضة جديدة، يحتاج بوتين إلى مصادر جديدة للإيرادات، وقد يكون من ضمنها إطلاق مشاريع إعادة الإعمار في سوريا. وهذا يتطلب من روسيا تنفيذ التزاماتها تجاه واشنطن في سوريا، ومنها ضمان أمن إسرائيل، وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، وكل ذلك يتطلب إخراج إيران من سوريا، وفكّ ارتباطها بها.