Advertise here

في المبتكر الأول... للتحويلات المالية

28 نيسان 2020 16:12:00 - آخر تحديث: 02 أيلول 2020 17:00:37

أصبح الكلام الممجوج في الإصلاح والتغيير يثير القرف في نفوس المواطنين، خاصةً عندما يصدر على لسان من ركبوا هذه الموجة، ولم يبدر منهم ما يوحي بالثقة، لا بشخصهم غير الكريم، ولا بما ينطقون به ويمارسون عكسه.

حسناً، المحاسبة مطلوبة، لكن الاتّهامات التي تُكال ضد الطبقة السياسية برمّتها، ودعاة الإصلاح والتغيير جزءٌ وركيزة أساس منها، والتي بحسب المزاعم استولت على البلد منذ 30 عاماً، أي منذ انتهاء الحرب الأهلية المشؤومة، وبدء قيام الدولة عقب اتّفاق الطائف، وطرد "المحتل" من قصر بعبداً، هذه المحاسبة يجب أن تعود سنوات قليلة إلى الوراء، أي أن تبدأ تحديداً منذ العام 1988، عندما ارتكب الرئيس السابق للجمهورية أمين الجميل الغلطة القاتلة (وهنا ليس المجال لشرح أسبابها أو توصيفها) بتعيين قائد الجيش، ميشال عون، رئيساً لحكومة انتقالية رغم وجود حكومة دستورية أصيلة يرأسها الرئيس سليم الحص.

كم كان عون في تلك الفترة مقنعاً، وشعبوياً، ومثيراً للحماسة في خطاباته التي ناشد بها "شعب لبنان العظيم" لكي يؤمن بمشروعه "السيادي". وكم كانت مناشداته لهذا "الشعب العظيم" بضرورة تقديم كل أشكال الدعم المادي والمعنوي له ولزمرته تفعل فعلها، لدرجة أن نصف نساء لبنان تخليّن عما تملكن من ذهب وحلي ونقد، ووضعنها في أكياسٍ رُصفت أمام شرفة "قصر الشعب" دعماً للعماد المنقِذ صاحب المبدأ والقضية.

السؤال البسيط الذي يتبادر إلى ذهن البعض هو، أين أًصبحت هذه الأموال، بل كيف أُنفقت، ولأي غاية؟ هل مِن محاسبة؟؟ وهل من شفافية؟؟

الأمر الآخر هو تلك الوثائق المصرفية التي انتشرت نسخٌ عنها عبر وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً، وقبلها عبر الصحافة المكتوبة والمرئية حول "الأوامر" التي أصدرها رئيس الحكومة "المؤقتة" بصفته الرسمية إلى مصرفٍ معيّن لكي يحوّل له "أموالاً" إلى حساباتٍ في فرنسا باسمه الشخصي، أو باسم السيدة عقيلته المصون. هل من محاسبة؟؟

الجواب البديهي أيضاً هو أن سيادة العماد، ودولة الرئيس آنذاك، وفخامة الرئيس اليوم، هو المبتكِر الرسمي الأول لمسألة "تحويل" الأموال (أو تهريبها إن شئت) إلى الخارج، وبصفة رسمية، ومن خلال أوامر شرعية، بصفته رئيساً لحكومة، ووزيراً للمال فيها. فهل تجوز المحاسبة على تلك الأفعال، أم مضى عليها الزمن؟؟

أيضاً وأيضاً في الأموال المنهوبة، هل من جواب على الصفقة المالية التي عقدها "الفريق الرئاسي" الذي أوفده الرئيس السابق أميل لحود إلى فرنسا (بأوامر سورية) لضمان عودة "الجنرال المنفي" إلى لبنان، وتتعلق بقبض كامل تعويضاته (غير المستحقة) عن سنوات النفي بما فيها راتبه التقاعدي الذي لا يزال يتقاضاه لغاية اليوم، وهو في موقع المسؤولية؟؟
ليست المسألة دفاعاً عن شخص، أو أشخاص، من هذه الفئة السياسية أو تلك، إنما إذا كان المطلوب فتح الدفاتر القديمة، فلتُفتح جميع الدفاتر، بما فيها تلك التي يجري غضّ النظر عمداً عنها ولم يجفّ الحبر عنها بعد.

إذا كان التغيير والإصلاح والشفافية التي ينادي بها "الحالم في اليقظة" تجوز على الجميع، فهي تجوز على "عمّه" أولاً، وإلّا فمِن الأفضل عدم التباهي بما لا يملكه، وإلّا جاز تعبير سعيد تقي الدين الشهير، "عليه قبل غيره"... وما أفصح الكلام الذي له صلة.