Advertise here

ما بين الفساد السياسي والفساد المالي

26 نيسان 2020 16:42:59

الكلام الشعبوي، والخطاب التعبوي، حول كلمتَي الهدر والفساد حقٌ يراد به باطل. وهذا الأسلوب في المخاطبة يُعتبر الوقود الحيوي لأي انتفاضةٍ أو ثورةٍ شعبية، لكن الأهمية تكمن في قراءة خلفيات التجييش، وخاصةً إذا كان يتمّ من خلاله استغلال الأوضاع المعيشية، وزيادة الضغوط على تأمين لقمة عيش المواطن.

الفساد المالي مرتبط أساساً بالفساد الإداري، ومنذ عهد الاستقلال والبلاد عرضةٌ للفساد المالي من خلال الرشاوى التي كانت تُغدق لتمرير الواسطة عَبْر السلطان سليم الخوري، شقيق رئيس جمهورية الاستقلال آنذاك، إلّا أنها تطورت بشكلٍ لافت بعد انتهاء الحرب اللبنانية من خلال الصفقات والسمسرات التي جناها خاصةً أولئك حديثي النعمة في السياسة. وبالتالي فإن فتح ملف الفساد المالي يتطلب ثورةً حقيقيةً في هيكلية إدارة الدولة، وفي ذهنية موظفي القطاع العام، إلّا أن هذه الثورة تتطلب وجود طبقةٍ سياسيةٍ تؤمن بوجود وطنٍ لأبنائه، ودولة تدرك حقوقها وواجباتها.

من المؤسف جداً أن تكون الطبقة السياسية المشارِكة في حكم البلاد اليوم، بطريقة أو بأخرى، عاجزة كلياً عن التحرك. وهذا العجز كامنٌ في الانقسام العامودي بين الأطراف اللبنانية حول فكرة الوطن بحدّ ذاته. فالارتباط بالأجندة الخارجية هو المتحكّم بالسياسة الداخلية، ولا يوجد انتماءٌ واضح وحقيقي للوطن، بل إن الارتباط المرتهن لمحور الممانعة أدخلَ لبنان في النفق المظلم. فالأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تتخبط فيها البلاد مرتبطةٌ بشكلٍ وثيقٍ بالصراع السياسي في البلاد. كما وأصبح جلياً أن التحالف السلطان الحالي وصلَ إلى عنق الزجاجة في نهجه المكشوف بالقبض على النظام المالي والمصرفي. وهذا جوهر الصراع على مصرف لبنان.

ليس بجديد، وليس بخفيٍ أن حاكم مصرف لبنان ينسّق مع البنك الدولي، وليس سراً أن رياض سلامة يسير بالقيود التي تضعها وزارة الخزانة الأميركية، لأن كافة التحويلات المالية تمرّ عبر نيويورك، ومن المستحيل مواجهة العقوبات المالية الاميركية التي تُفرض. لقد حمى رياض سلامة الليرة اللبنانية من السقوط في محطاتٍ كثيرة من ولايته الطويلة، والتي مُدّدت عدة مرات. وإذا كانت أصابع الاتّهام توجّه نحوه لتحميله وزرَ الوضع المالي الراهن، فإن هذا الوضع هو نتيجة انهيار الوضع الإقتصادي من خلال سياسة الحصار الاقتصادي المفروضة على لبنان بسبب ربط للدولة اللبنانية بمحور الصراع المباشر مع الغرب.

إن الفساد السياسي، والذي هو أخطر من الفساد المالي، وضعَ لبنان في مهب الريح، واللبنانيون سيدفعون ثمناً غالياً من اقتصادهم ومعيشتهم كنتيجةٍ حتميةٍ لجرّ لبنان من خلال التحالف الحاكم ضد المجتمع الدولي. وكم هو عجيبٌ أن تُرفع بعض الشعارات على فتح باب المحاسبة منذ عام 1992، فماذا عن السنوات التي سبقتها، وكيف كان الوضع الاقتصادي إبّان عهد الوصاية السورية على لبنان؟

الفساد السياسي بعدم وضوح الرؤية حول مفهوم الدولة هو السبب الرئيسي لحالة الانهيار الحاصلة، مالياً واقتصادياً، وطالما التحالف الحاكم لا يبدّي المصلحة اللبنانية، فإنه سيُكمل مخطّطه في الانقضاض على كافة المؤسّسات اللبنانية لتنفيذ الأجندة المرسومة، وهو يفعل ذلك بتثبيت أزلامه في الإدارات، وتمرير الصفقات المالية الناتجة عنها. وقد سنحت له الفرصة حين أتاهم حصان طروادة، المسمّى حسّان دياب لتمرير مخطّطاتهم.

*رئيس جمعية كمال جنبلاط الفكرية