Advertise here

قلادة فلسطين

22 نيسان 2020 15:31:15

 في السابع عشر من نيسان، من كل عام، تجدّد فلسطين قلادتها. تضعها حول جيدها، ولا تنسى أسراها.

منذ 17 نيسان من العام 1974، صنعت العروس لنفسها قلادةً من صُورِ الأسرى الذين تفانوا في الدفاع عن كرامتها. مِن الذين خرجوا لتقبيل ترابها. جبلوه بدمائهم في مسيرة الدفاع عن الوطن السليب، والكرامة المسلوبة، والمقدسات المدنَّسة، والشعب السجين.

أجيالٌ من الأسرى، تلاقي بعضها بعضا، في منتصف الدرب إلى الأقصى الشريف، وكنيسة المهد، ومسجد الصخرة، وكنيسة القيامة، على دروب القدس والخليل وبيت لحم.

أفواجاً أفواجا، وصلوا بلا موعد إلى الأسر، يبحثون في عيون السجّانين المغتصِبين عن فلسطين.

أطباء وقادة وصحفيين وإعلاميين، وعرائس، وأطفال، وأحداث، وشيوخ وثكالى، كانوا في طريقهم إلى الصدر الحنون، اعترضتهم إسرائيل في مسيرتهم، وفي صلاتهم. أوقفتهم بنادق العدو الإسرائيلي المستعمر والمغتصب، وقادتهم إلى سجون الإحتلال.

في بنك الاحتلال الإسرائيلي، سجّل المقاومون الفلسطينيون منذ العام 1967، رقماً صعباً من مال المقاومة، ناهز المليون أسير. بل قُل نافَ عليه بكثير.

دموعٌ ودماء،  وأنفاسُ عرائس، وأحداث، ومرضى، وشيوخ. طقسٌ فلسطيني وعربي يومي، من شوق، واشتياق.  

في السابع عشر من نيسان من كل عام، تهفو جميع الأفئدة إلى فلسطين الأسيرة. تهفو الأطيار والأزهار، والأسماك في البحار، إلى وطنٍ جريح يُسند رأسه على جبل الكرمل والجليل، ويغسلُ قدميه في النهر والبحر، في يوم الغسل. ثم ينهض من جديد: تخرج الغابات والنخلات، وشطآن حيفا ويافا وعكا، من مسامير يديه ورجليه. ينفض تاج الشوك، وينزل إلى عرس قانا الجليل.

لا يصدّق العالم المتمدّن، أن لصوص المغارة، سرقوا دموع أطفال الحجارة، وقادوهم إلى الأسر منذ سنين وسنين.

لا تصدّق أعلام الأمم المتحدة، وأعلام مجلس الأمن، أن علم فلسطين، سجادة المصلّين في الأقصى وكنيسة المهد، دنّسه الغاصبون ليلة الفصح، ومزّقوه، وحشوا به بنادقهم، وساقوا الجموع تنزف وتذرف، إلى الأسر.

لا تصدّق أمّهات العالم، أن أمّهات فلسطين، تبكي وتندب في العتبات، على زوجٍ، وشيخٍ، وطفلٍ، ورضيعٍ أسير.

سرق اللصوص تراب المغارة الذهبي، ودموع طفل المهد، في الفصح المجيد، ونادوا على الأسرى في سوق العبيد. وما استيقظ بعد، الغافلون والنائمون في الكهف، على طواش طيش وأزيز رصاص، وغياث أسير كل يوم جديد.

في السابع عشر من نيسان من كل عام، تسيل شوارع الأمم، وتسيل شوارع العواصم والمدن، غضباً لأسرى فلسطين. مضطهَدين في الأسر منذ سنين. يذوقون طعم الدم كل يوم. يذوقون جمرَ الذلّ في عيونهم.  يرفعون أيديهم إلى السماء يصلّون: 

 "أبتاه، ادفع عني هذا الكأس"!


(*) أستاذ في الجامعة اللبنانية

 

هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة الأنبـاء