Advertise here

البدائل لخطة الحكومة الاقتصادية

20 نيسان 2020 15:25:04

هل هي خطة إصلاح مالي ونقدي، أم خطة التصفية الاقتصادية، وتقليص حجم الاقتصاد، والقضاء على أي إمكانية للإنتاج؟ 

تتألف خطة الإصلاح المالي الحكومية من 35 صفحة، وتقسم إلى قسمين: القسم الأول عبارة عن نظرةٍ شاملة عن الاقتصاد الكلّي للخمس سنوات المقبلة، والقسم الثاني عبارةٌ عن ركائز الخطة الحكومية الإصلاحية المقترحة، وتتشكّل من ستة أبواب هي: الدعم الخارجي، وضبط أوضاع المالية العامة، وإعادة هيكلة الدَّين العام، وإصلاح القطاع المالي، وأجندة الإصلاح الهيكلي، وتعديل نظام الصرف الأجنبي.

من حيث المبدأ، لا بدّ من تسجيل نقطةٍ إيجابية لهذه الحكومة بتقديم خطة إصلاحٍ ماليٍ لخمس سنوات، وهو أمرٌ جيّد ولا بدّ منه لأي حكومةٍ بغية وقف الانهيار الحاصل، والبدء بمسار النهوض والانتعاش. ونسجّل نقطةً إيجابية أخرى وهي تحديد حجم الخسائر في الاقتصاد الوطني، وحجم الفجوة التمويلية في القطاع المصرفي. لقد قُدّرت الخسائر (حسب الورقة) ب 83 مليار $، وجاءت كالتالي: 64 مليار $ خسائر مصرف لبنان التي يتحمّل منها القطاع المصرفي 55 مليار $، ويبقى 9 مليارات $ تنطفئ تدريجياً عبر السنوات الخمس التالية، ومن خلال جزءٍ من الأموال الخاصة أيضاً، و28 مليار $ خسائر القطاع المصرفي، بما فيها ديون مشكوك بتحصيلها، ويُضاف جزءٌ منها إلى خسائر المصرف المركزي.
 
تقترح الخطة تحميل القطاع المصرفي هذه الخسائر من أمواله الخاصة التي تبلغ 21 مليار $ (رأسمال المصارف في لبنان) فيكون الباقي من العجز 62 مليار $ تقتطع من ودائع الزبائن الذين يملكون فوق المئة الف دولار، وذلك حسب اقتراح المؤسّسة الاستشارية "لازارد". لقد تمّ سحب هذا الاقتراح من التداول سريعاً بعد أن تمّ رفضه من كافة القوى السياسية. 

تعوّل الخطة على تحميل حوالي 10 مليار $ من الخسائر للمستثمرين الأجانب في "اليوروبوندز" مما يخفض رصيدهم إلى 4 مليار $، وذلك بعد التفاوض معهم. السؤال الأبرز في هذا السياق هو كيف يمكن تحميل المستثمرين الأجانب خسائر محتملة قبل أن نبدأ فعلياً بالتفاوض معهم، وبالرغم من تكليف الحكومة لمؤسّستين دوليّتين القيام بذلك؟! كذلك كيف يمكن تحميل القطاع المصرفي، والمودعين ضمناً، الخسائر لسوء أمانة وسوء إدارة ارتكبتهما الدولة؟! كيف يمكن طلب الدعم الخارجي في وقت أن الحكومة فاقدةٌ للثقة المحلية والدولية على حدٍ سواء؟! 

إن الثقة هي العنصر الرئيسي في إنجاح الخطط المالية والاقتصادية، وقد حصلت الحكومة على فرصة اكتساب هذه الثقة يوم تشكيلها، ولكنها لم تنجح في ذلك. وقد ظهر الأمر جلياً في فشلها في التعيينات المالية والتشكيلات القضائية. كما أنها لم تستطع إقناع الأطراف السياسية الداعمة لها على تقديم مشروع قانون إدارة السيولة Capital Control. كيف لحكومةٍ أن تنجح في إقرار وتنفيذ خطة إصلاحٍ ماليٍ، وهي غير قادرةٍ على إجراء تشكيلاتٍ قضائية، وتعييناتٍ في المصرف المركزي ولجنة الرقابة على المصارف، وهيئة الأوراق المالية، وكلّها عناصر في أساس نجاح أي خطةٍ مالية؟

وفي باب ضبط أوضاع المالية العامة، تؤكّد الخطة على تخفيض النفقات من خلال إصلاح قطاع الكهرباء، دون أن تشرح كيف سيتم ذلك، علماً أنها لم تقم حتى تاريخه بتشكيل الهيئة الناظمة، ومجلس إدارة، مؤسّسة كهرباء لبنان!! 

كما تؤكّد الخطة على تجميد الرواتب والأجور في القطاع العام حتى العام 2024، وعلى تطبيق قانون وقف التوظيف الصادر في أيلول العام 2017، كما واعادة النظر بالتوظيف الذي حصل بعد صدور القانون المذكور. تشكّل هذه الخطوة في الواقع تخفيضاً للأجور لا تجميداً لها بسبب ارتفاع الأسعار، وتحرير سعر الصرف، الأمر الذي أدّى إلى انخفاض القيمة الشرائية للأجور بنسبة 50 بالمئة.

تسعى الحكومة، بالاضافة الى تخفيض النفقات، إلى زيادة إيراداتها من خلال رفع نِسَب الضرائب الحالية، كالضريبة على القيمة المضافة من 11 % الى 15 % على السلع (الفاخرة)، والضريبة على أرباح الشركات، وعلى الدخل، وعلى فوائد الودائع لتصل إلى 20 %. هنا نسأل: هل يمكن لعقلٍ اقتصادي أن يقبل زيادة الضرائب في ظل انكماشٍ اقتصادي يقدّر بأكثر من 12 % من الناتج المحلي للعام الحالي 2020؟! انها وصفة الانتحار الاقتصادي، وخنق الإنتاج، وتقليص الناتج المحلي، وزيادة البطالة. تلجأ الحكومات، عادةً، في حالات الانكماش إلى تحفيز القطاعات الإنتاجية وإلى تحسين القدرة الشرائية بغية زيادة الطلب الاستهلاكي لاستعادة النهوض. وهذا ما فعلته، على سبيل المثال، الولايات المتحدة وأوروبا عند أزمة العام 2008، حيث ضخّت سيولة في الأسواق، بشكلٍ أو آخر، بما يقدّر ب 12 تريليون $، وحالياً خصّصت دول العشرين G20 آلاف المليارات من الدولارات لدعم الاقتصاد، وتجنّب الكساد!

تشير الخطة في الباب الثالث، وهو تحت عنوان إصلاح القطاع المالي إلى ضرورة التدقيق في حسابات المصرف المركزي، وذلك بتكليف مؤسّسة تدقيق دولية، وهذا أمٌر نثني عليه، وكان لا بدّ منه سابقاً لأنه يعزّز الشفافية المالية والنقدية الضرورية في كل مؤسّسات الدولة. لكن ما المقصود بإعادة هيكلة المصرف المركزي؟ هل هو إعادة النظر في قانون النقد والتسليف مثلاً؟! أو إعادة تقييم موجودات المصرف المركزي، وهذا ضروري. كيف ستتم إعادة هيكلة القطاع المصرفي؟ هل بالدمج؟ أم بزيادة الرساميل قسراً من قبل المودعين Bail In؟ أم بالطلب من المساهمين استقدام أموال جديدة من خلال تسييل أصولهم في الخارج والداخل؟! 

في الواقع، يُقرأ بين سطور هذه الخطة تحميل مسؤولية الخسائر المقدّرة ب 83 مليار $ للقطاع المصرفي (المركزي والخاص) وللمودعين. ولست بوارد تبرير أخطاء هذا القطاع وجشع أصحابه، لكن تحميل هذا القطاع وحده الخسائر والموبقات الاقتصادية هو تعميةٌ مقصودة بهدف وضع اليد على القطاع المالي في لبنان لأهدافٍ سياسية. 

من يجب أن يتحمّل مسؤولية هذه الخسائر إذاً؟

لا بدّ من التذكير بأن قطاع الكهرباء كلّف الخزينة منذ العام 2008 حتى اليوم 46 % من حجم الدَّين العام مباشرةً، ناهيكَ عن الخسائر غير المباشرة على الاقتصاد، سيّما على القطاع الصناعي، وعلى القطاع الأسَري لناحية دفعه فاتورة إضافية. كما أن التعطيل الذي طال كافة مؤسّسات الدولة بسبب تأخير إجراء الانتخابات الرئاسية، وتشكيل الحكومات، وإقفال المجلس النيابي، وعرقلة تنفيذ الإصلاحات المطلوبة في مؤتمرات باريس واحد، وصولاً إلى سيدر، وكلّها أمورٌ كلّفت الاقتصاد الوطني خسائر تقدّر بالمليارات. لقد كان للتعطيل الذي دام سنوات أثره أيضاً على الاستثمارات لأنه رفع من مخاطر الاستثمار في لبنان، وبالتالي من معدلات الفوائد، ناهيك عن الفساد والبيروقراطية في الإدارة العامة، وأثرها السلبي على الاستثمار. 

كيف لنا أن ننسى بأن خيارات لبنان في السياسة الخارجية التي اعتمدها منذ العام 2011، أفقدته مورداً مالياً ممّا كان يأتيه من القطاع السياحي زمن التحويلات المالية العربية، وخصوصاً الخليجية. 

لا بدّ أن نتحدّث أيضاً عن الأموال الضائعة على الخزينة بسبب التهرّب الضريبي والجمركي تحت حمايات أمنيةٍ وسياسية، والتي تشكّل بين 12 – 14 % من الناتج المحلي سنوياً (6 مليار $)، ناهيكَ عن الاقتصاد المكتوم الذي لا يدفع ضريبة، ويشكّل أكثر من ثلث الاقتصاد الوطني! 

أما وقد وصل الاقتصاد إلى ما وصل إليه، فما السبيل لوقف الانهيار، وبسرعة، لأننا لا نملك رفاهية الوقت؟
برأيي لا بدّ من اعتماد الخطوات التالية:

1-    وقف نزيف الكهرباء، حتى لو تمّ وهب هذه المؤسسة إلى إحدى الشركات الدولية لتأخذ على عاتقها عملية الإنتاج تحت إشراف هيئةٍ ناظمة ومتخصصة.

2-    وضع سياسة ضريبية جديدة تعتمد على ضريبة الدخل الموحّد التصاعدية (ضريبة الصحن الموحّد) وإلغاء كافة الضرائب غير المباشرة. (الورقة الإصلاحية التي قدّمها اللقاء الديمقراطي في نهاية العام 2018)

3-    ضبط الحدود والتهرّب الجمركي عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية. 

4-    فرض ضريبة استثنائيةٍ لمرة واحدة على الودائع والرساميل التي تتجاوز ال300 ألف$، أو إعفائها في حال استثمارها في القطاعات المنتِجة. كما أن العمل على تحفيز القطاعات الإنتاجية أكثر من ضروري كإعفاء المؤسّسات الصناعية من ضريبة الربح في حال قامت بالتصدير بمبلغ معيّن مثلاً.

5-    وضع جردة بممتلكات الدولة من أراضٍ ومبانٍ، ومؤسّسات منتجة وغير منتجة، وتقييمها بغية معرفة إمكانيات الاقتصاد الوطني. يمكن اعتماد هذه الممتلكات لتأسيس أكثر من صندوق (الأراضي، للمباني، للمؤسسات) وتوريق هذه الصناديق، أي إصدار أوراق مالية مقابلها قابلةً للتداول في السوق المالية من أجل إدخال المواطنين والمودعين كشركاء في هذه الصناديق، ويتطلب ذلك طبعا تفعيل دور بورصة بيروت. 

6-    زيادة رساميل المصارف من خلال ضخّ أموالٍ جديدة من الخارج من المساهمين القدامى، ومن المساهمين الجدد، والعمل على دراسة المركز المالي لكل مصرف لتحديد مستقبله.

7-    طلب قرضٍ من صندوق النقد الدولي، والمؤسّسات المالية الدولية، إذ نحتاج بحسب الخطة إلى 27 مليار $ لتمويل الاقتصاد في السنوات الخمس المقبلة.