Advertise here

الرجل الذي لا يُطوَّق

19 نيسان 2020 11:06:00 - آخر تحديث: 19 نيسان 2020 11:20:51

كأنما التاريخ يعيدُ نفسه، وصوت صئيّ العابثين يُسمع بوضوح. فالإيعاز أصدره نظام البعث بمذكرة توقيف مروان حمادة، لتكون كلمة السر لبدء الانقلاب الجديد الذي فشل سابقاً في العام 2005.

هذه المرة يُستهدف النظام السياسي والاقتصادي في لبنان، المرسّخ باتّفاق الطائف والدستور، في محاولةٍ لإعادة البلد إلى زمن الوصاية البائد. لا بل أسوأ عبر الانقضاض على ما تبقّى من الأحرار المؤتمنين على استقلالية وحرية القرار السيادي الرافضَين للبنان التابع، الملحق، الأسير المكبّل بالسياسات الإقليمية، ومزاجات العقول الرجعية، وساحات الصراعات الدموية التي أنتجت مشهداً مأسوياً في سوريا، متوجاً بآلاف القتلى والنازحين من الشعب السوري المسالم.

نعم، التاريخ يعيد نفسه. فعندَ كل مؤامرةٍ جديدة تستهدف هذا الوطن، وهذا الشعب، نرى عابثي الخارج والداخل مستنفرين للتحرّك يحاولون عبثًا النيل من الزعيم الوطني الكبير وليد جنبلاط، عبر إطلاق حملات التخوين، ونبش القبور، وإذكاء الفتن الطائفية والمذهبية، مع ما يرافقها من جوقة شتّامين، تماماً كما جرى في العام 2005، في محاولة يائسةٍ لتمرير مشاريعهم الهدّامة، والهادفة إلى الاستيلاء على مقدّرات الوطن السياسية والاقتصادية.

نعم، إن القوى الظلامية لم تتخلّى عن مشروعها في لبنان، وهي ترى أن اللحظة مؤاتيةً اليوم لتحقيقه ضمن خطةٍ مدروسة تمّ إنجاز مرحلةٍ كبيرة منها بواسطة ما يسمّى اليوم بالعهد وحلفائه، وتمكينهما من السيطرة على الدولة ومرافقها العامة، وتحويلها إلى مزرعة فساد تُدار بواسطة الأزلام والمحاسيب الذين عملوا بجهد على سلب أموالها، ومواردها، لحساب التابع المتبوع من العهد وحلفائه، وصولاً إلى إفقار الشعب عبر وضع يدهم على مدّخراته في المصارف، وجعله ينتظر إعاشتهم الاستنسابية ذليلاً، وينفّذ قراراتهم دون اعتراض.

وفي سبيل إنجاح هذا المخطط الجهنمي لا بدّ من تحقيق التالي:

1 - تقويض القطاع الاقتصادي الخاص المنتِج، الذي يشكّل الشريان الحيوي لدوران العجلة الاقتصادية، ولتدفّق العملات الصعبة، والاستثمارات الوطنية والأجنبية عبر ضرب القطاع المصرفي وإفلاسه، ومن ثمّ تذويبه ودمجه ضمن خطة التدجين المعدّة من قِبل القوى الظلامية، وهو ما يشكّل الضربة القاضية لنظام الاقتصاد الحر الذي تميّز به لبنان. وقد باشرت حكومة الأقنعة بتنفيذه عبر تسريبها، وعن قصد، بند haircut من ضمن خطة الإنقاذ الاقتصادية التي تعدّها، ولو أنّها تراجعت عنه تحت الضغط الذي مارسته القوى السياسية والشعبية. إلّا أن الغاية من تسريبه أنتجت مفاعيلها بتجميد العمل المصرفي، وبالقضاء على أي أملٍ بحصول عمليات نقدية مع المصارف، من إيداع أو سحب ما يسمى freshmoney، وذلك لصالح الصيارفة، والسوق السوداء التي باتت المصدر الرئيسي للعملة الصعبة، واللّاعب المتحكّم بسعر الصرف، ومن ورائهم من متمولي العهد وحلفائه والدول الإقليمية التابعين لها.

2- السيطرة على مصرف لبنان، وذلك عبر الابتزاز والتهويل باتّهامه أنه المسؤول عن السياسات الاقتصادية التي أدّت إلى الانهيار الاقتصادي، ليصار بعدها إلى إجراء تعيينات جديدة للحاكم ونوّابه على قاعدة المصلحة التي تخدم خطة السيطرة على الاقتصاد. وقد شاهدنا فصلاً من هذا التهويل عبر المظاهرت التي نظّمها التيّار من الأزلام، والمحاسيب، والذين تقتصر مهمّتهم على شتم الحاكم.

3 - في ذات السياق، العمل على إفلاس الشركات الوطنية المنتِجة، التي تشكّل دعامةً اقتصادية وسياحية للبلد، مثل شركة طيران الشرق الأوسط، الميدِل إيست، وذلك عبر وضعها في مواجهةٍ بينها وبين المغتربين من أبناء هذا الوطن، وتحميلها مصاريف باهظة تؤدي حُكْماً إلى إفلاسها.

4 - محاولة تطويق وليد جنبلاط وعزلِه، كونه يشكّل حالة سياسية شعبية ووطنية لم تتمكّن القوى الظلامية وأجهزتها من مساومته، أو إسقاطه. حاولت تلك القوى في العام 2018، وعبر الانتخابات النيابية تطويقه. وهذا لم يحصل رغم القانون الانتخابي الهجين، ورغم الخطاب الطائفي الفتنوي التحريضي الذي انتهجه أزلام العهد.

حاولوا خلق الفتنة داخل البيت الدرزي (حادثة الشويفات - وحادثة البساتين)، وهذا لم يتحقّق أيضاً كونه، وفي الحادثين احتكم وليد جنبلاط إلى القضاء، رغم كل المآخذ المتعلقة بعدم استقلاليته وحياده، وكذلك أفشل مخطّط إسقاط الدروز بالفتنة، وإسقاط الحزب، وإسقاط المختارة.

فاحتكموا هم للشارع بدعوى واضحةٍ وصريحةٍ وجهّها جبران باسيل لقلب الطاولة، كما عبّر في خطابه الموجّه لجنبلاط بتاريخ 13-10 – 2019. 

واحتكم وليد جنبلاط لحكم الشعب، فكانت النتيجة أن الشارع انقلب عليهم، وصدحت الحناجر ب "هيلا هيلا هو...". 

أنزلوا الأزلام والمحاسيب في الشارع المقابل فانهزموا وانفضحوا، فرجعوا إلى كار الغدر، ولم تنجح فتنتهم، فإذا بوليد جنبلاط يطوّق الناس، ويمنع الفتنة، ويحتكم للحكمة.

طوّقوه، فخرج وليد جنبلاط وحزبه من الإطار الذي كان مرسوماً في زمن الوصاية إلى الوطن بجميع مناطقه، وطوائفه، ومكوّناته، لتعلنه الجماهير زعيماً وطنياً تقدمياً عربي الانتماء.