في خضم الأحداث التي يعيشها هذا الوطن المعذّب، ووسط هذه الكارثة الطارئة، وهذه الحرب التي أعلنها فيروس كورونا على العالم كلّه، لا بد لنا من استذكار حادثةٍ جرت في شهر نيسان من منتصف أعوام تسعينيات القرن الماضي، وهي مجزرة قانا. راح ضحيّة تلك المجزرة المأساوية عددٌ كبير من اللبنانيين الذين لجأوا إلى موقعٍ ظنّوه بمنأى عن قصف الطيران الإسرائيلي المعادي، وكان موقعاً تحت سيطرة جنودٍ تابعين للأمم المتحدة. لم يوفّر ذلك الموقع الحماية التي طلبها الذين لجأوا إليه، وكان من بينهم الأطفال وكبار السن، بل تحوّل إلى جحيم من النيران.
ولا بد لنا، وقد شهدنا بالأمس القريب ذكرى الحرب اللبنانية، من القول بأن حدوث مأساة قانا قد استتبع التأثيرات غير المباشرة لتلك الحرب. تأثرتُ، كغيري من اللبنانيين، لهذه الحادثة الأليمة، ولا أدري لماذا تخيّلت، من بين كل الضحايا، طفلةً صغيرة فقدت حياتها في تلك اللحظات الرهيبة. وهكذا كتبتُ، باسمها، هذه الأسطر، والتي اخترتُ لها عنوان "الغضب على الغضب":
الغضب على عناقيد الغضب
(تحوّل المخيّم التابع للأمم المتحدة في قانا إلى جحيمٍ بالنسبة إلى الأبرياء الذين احتموا فيه في العام 1996)
I
أعلِموا كلّ الجهاتِ
أخبروا الغد الآتي
أتقصفُ في لحظةٍ أعمارُ،
وتأتي غيمةٌ، ويرحل نهارُ؟
وكيف تسيل الدماء
تغلّف الأشلاء،
وهل الأجساد أمستْ
حروفاً جديدةً للهجاء؟
ما همّني لو عادت شمسٌ للطلوعِ
أو خفق نبضٌ ما بين ضلوعي
ما همّني إن سعى لسلمٍ مُرَسلٌ
أو فرضت حرباً أممٌ جمعاء؟
ما دام الليل في النهار يغمرني
وفي الليل ألتحفُ عتمة القبر
وصوتي لا يُطلق النداء
II
غدرتَ يا قدر
ألا انتظِرْ
أين عُمرنا القادمُ،
وأين صبحنا الباسمُ،
وأين شمس الضياءْ؟
جمْعُنا كان يحتمي
بجمعية الأمم،
إذاً كيف سال دمي؟
أين خفقة القلب تضيع،
وإشراقة الشمس في
يوم الصقيع؟
وهل سنلتقي ذات يومٍ
في السماء؟
III
كفكفي يا أمُّ الدموع
واجمعي أشلائي المبعثرة
ضمّي حنينك مع صورتي
وضعيها في المقبرة
يا أمّ لملمي سواري
وخاتمي ارفعيهِ
من باب داري
وخذي من الحزنِ عزيمةً
قفي إلى جواري
عدّي دجاجاتي، هل
سَلِمَ بيتُها من الدمار؟
وانظري فناءنا الخلفيّ
أَنَجَتْ درّاجتي من النار؟
وأبي هل تمكّن من الفرار
مع الذين نجوا من الصغار؟
وأخي، هل أكمل إغفاءته
وقام راكضاً في البراري،
يصطاد العصافير حيناً
وحيناً يرتاح على الحجارِ،
أم غمرتهُ شمس النهارِ؟
وفستاني الجديدْ
خبّأته ليوم عيد
"عيدٌ بأية حال ..."
فلا أفراح ولا زغاريدْ
ولا غناءٌ في ساحةٍ
بل بكاءٌ على شهيد
فلا نزهات بعد اليوم
ولا درسٌ لنا جديد
IV
سرقوا العمر منّا والرجاء
أخذوا بسمةً وأعطونا البكاء
وثيابنا الزاهية
بين الرياح العاتية
ضاعت الألوان منها
واصطبغت بالدماء
V
أيا عناقيد الغضبِ
ويل لك من لهبي
يطاول السماء
يجتاز في السحبِ
سجّلي عندك في الكتبِ
يا عجباً يا عجبي
غداً سياط الغضب
تطال قاتلَ الأطفال.
غداً تنبت السنابل
وتحمل بدَل القمحِ القنابل
وينتهي السجال
لترجع القوافل،
غداً لا محال
يغرق الطغاة
إلى قعر البحار
وترجع الديار منيرةً
وتصدح فيها الأغاني
وتصبح أفراحنا كثيرةً
ويصير العمر ثواني.
الآراء الواردة في هذه الصفحة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جريدة الأنباء التي لا تتحمل مسؤولية ما تتضمنه.