Advertise here

مصير الإنسان

13 نيسان 2020 22:14:04

تمرّ البشرية في أخطر مرحلة من مراحل تاريخها المظلم وربما تكون أفجعها، إنْ بامتداد الكارثة على أبعد بقع العالم، أو بالوباء الذي حطّم جميع ما كنّا قد وصلنا إليه، بل ما كنّا ننعم به من وهمٍ حول متانة العمل الذي كان الإنسان يفاخر به، ألا وهو الدواء، والاكتشافات والتحصينات، والتطور، والتقدم، قبل هذه الحرب التي أعلنها الوباء على الإنسان، أي بعد الحربَين الكونيّتين، أي الحربَين العالميَتين الأولى والثانية...

وكان نموّ الجبهة المادية من الحضارة والتفكير يتسارع ويتصارع لاستملاك القوى العسكرية، والغطرسة، والتسابق على التسلّح النووي إلخ....

استمرّ ذلك إلى أن أتى، ليجتاح العالم، مَن هو أكبر من جيوش العالم، وهو أقوى جيشٍ حالياً. 

سؤالٌ يُطرح، والجواب هو جيش الفيروس بقيادة "اللواء كورونا" الذي ضرب أغلب شعوب الدول، وحصدَ ضعف ما حصدته الحروب، وقد أثار عزيمة ونضال البشر لمواجهته من أجل البقاء على وجه الأرض. وهو الوحيد الذي جعلهم ينتظرون، بأكبر وأضخم قلق، ما يتمخّض عنه الغد من معجزة، فلم يبقَ لهم الوقت الكافي للمشاكل الحقيقية، أعني المشاكل الإنسانية. ولكن يا ليتَ، نحن ومن سَبَقنا، نتعلّم من أفكار المعلّم كمال جنبلاط... وهي أفكارٌ تصلح لكل مكانٍ وزمانٍ في هذا العالم برؤيتها الإنسانية للتطور، والتقدّم، وبُعد النظر.

وسأستعين ببعض بنودها التي تعني الموضوع الطاغي على كل القضايا، وهي من محاضرة ألقاها المعلّم كمال جنبلاط في العام 1974:

- كيف سيكون الرد على تفشي السلاح النووي، والسلاح الجرثومي، والتلاعب العلمي بالخلايا الوراثية لبعض الحشرات، والذي فضحَ أخطاره أخيراً بعض كبار العلماء؟؟!!..

- كيف سيردّ الإنسان المعاصر على التقدم التقني، وملابساتِه وأخطاره، هل سيحاول إيقاف هذا التقدّم، ويضع حداً لإيمانه بهذا الصنم؟!..

- ما هو مصير الإنسان المعاصر في ضوء العلم الحديث، وهل يمكن ترقيته، وتبديله، أم أننا سنظل، كما يرشدنا إلى ذلك العلماء، نواجه الإنسان ذاته الذي لم يتغيّر أبداً عبر التاريخ؟!.. وعلينا أن نحتاط للأمر في خلق المحيط المتوافق والبيئة الملائمة لهذا الإنسان ولطبيعته.

- ما هو ردّنا الملائم، والشامل في تطبيقه، على مشكلة التلوّث التي أضحت الخطر الأكبر على حياة الإنسان، وعلى بقائه واستمراره على وجه الأرض، وهل سنخلق جهازاً دولياً للرد على هذه المشكلة الخطيرة التي تهددنا؟!.

- ما هو ردّنا على مشكلة تكاثر السكان التي أصبحت أيضاً خطر العالم المداهم، وقد انقضى عصر المجادلة في صحة، أو عدم صحة، نظريات مالتوس الشهيرة؟!.. وأثبت الواقع أنه كان على حق، إذ المهم هو التوفيق بين الموارد الطبيعية للغذاء وحاجة الإنسان، لا ابتكار الموارد الاصطناعية، بما فيها منتوجات النفط، ومنتوجات الأسمدة الكيماوية، والذي أثبت الطب المعاصر خطرها على حياة الإنسان.

- كيف سنعالج قضية التغذية على نطاق عالمي، ومئات الملايين لا يزالون يتضورون جوعاً، وهل سنعمد إلى إنشاء وكالة عالميةٍ للزراعة تُعنى مباشرةً بهذا الشأن، كما يقترح علينا ذلك المؤرخ توينبي، وذلك قبل فوات الأوان؟!.

- كيف سنعالج مشكلة ضرورة تحقيق الدولة العالمية التي تفترضها المشاكل العالمية المطروحة، والتي لها شمول عالمي؟!..
هذه أسئلة عديدة ودقيقة وخطيرة تطرح نفسها علينا، وتلاحقنا إلى أي نظامٍ انتسبنا، لأن الآلة قد فرضت نفسها، وتقنيتها، واقتصادها الموحد على جميع الأنظمة.

فلنناضل جميعاً لحلّ هذه المعضلات...
ألم يقل كارل ماركس : "الإنسان أضخم وأثمن رأسمال في العالم"
لقد أصبح العالم قريةً صغيرة.
اللهم نسألك الطمأنينة في القرية.
‌‏أينما وُجد الدّاءُ، مضى إليه الدَّواء.