Advertise here

التفكير من "خارج الصندوق"... يحجز المودعين في "قفص" التمويل

09 نيسان 2020 07:41:57

سنبدأ من حيث انتهت خطة الحكومة الإصلاحية المتكاملة، وتحديداً من الملحق رقم (1). ففي الختام جرت الإشارة بوضوح تام إلى حاجة الخطة لتمويل ومساعدة خارجية، من أجل تمويل الحساب الجاري وإعادة بناء الاحتياطيات وتخفيف الأعباء عن المواطنين، وتعافي الاقتصاد وإعادة هيكلة الكيانات العامة لاستعادة الربحية... لكن من دون ان تمتلك الشجاعة لتحديد آليات طلب المساعدة التنفيذية والجهة التي ستطلب منها.

تلمّس المساعدة الدولية في سياق الخطة من بعيد، والمواربة في الإشارة إلى صندوق النقد الدولي في أكثر من مكان انعكسا وضوحاً في الملحق رقم (1)، حيث أشار صراحة في مقدمته الى أن "خطة التعافي المحلية لن تحقق الهدف الرئيسي، المتمثل في إعطاء بداية جديدة للاقتصاد اللبناني مع وضعه على مسار طويل الأجل قابل للحياة، خارج البرنامج المدعوم من قبل المؤسسات المتعددة الأطراف، التي تتمثل بالدول الصديقة". لتعود سريعاً وتناقض نفسها بالمقارنة مع تجربة مصر، التي حاولت طلب المساعدة من دون جدوى في العام 2014 من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لتجنب تخفيض قيمة العملة، الذي كان صندوق النقد الدولي يطلبه كشرط مسبق لتدخله.

من أين ستموّل الخطة؟

الوضع كما كُشف في هذه الخطة يعتبر من أكثر الأوضاع تدهوراً في العالم ان لم يكن الأكبر. والأمر لا يقتصر على عجز المالية العامة للدولة، إنما على العجز النقدي الذي قدر بحوالى 63 مليار دولار. إقفال هذه الفجوة من حساب كبار المودعين يعتبر غير منطقي. فعدا عن انه غير كافٍ فهو سيدفع لضخامته، بحسب نائب رئيس الحكومة السابق غسان حاصباني، "كبار المودعين الى خانة أصحاب الحسابات الصغيرة جداً". من هنا فان اعتبار التمويل هو حجر الزاوية في نجاح هذه الخطة من عدمه، يطرح السؤال الأبرز: من أين ستأتي الاموال لردم الحفر العميقة في المالية العامة والقطاع المصرفي؟

الخطة التي تتشابه مع ورقة الحريري الانقاذية عقب ثورة 17 تشرين الاول، تعترف في اكثر من موضع انه "لا يوجد حل من دون مساعدات خارجية"، قسم منها يأتي على شكل ودائع في المركزي والآخر يكون مباشراً من أجل تمويل خزينة الدولة. إلا انها بحسب حاصباني "استثنت الخصخصة وإشراك القطاع العام واستبدلتهما برفع الضرائب. ولم يُذكر ان استخدام أصول الدولة الثابتة أو إدخال استثمارات جديدة إلى لبنان هو جزء من الحل. عوضاً عن ذلك كله، جرى التركيز على كيفية تنفيذ الهيكلة المالية والنقدية من خلال شطب اموال المواطنين أو جزء كبير منها موجودة في المصارف، وهو أمر غير مقبول". عدم تعويل الخطة على خصخصة القطاع العام كمورد لتغطية الخسائر الهائلة المتراكمة في القطاع المالي، باعتبار ان ما ينتج عنها أقل بكثير من المبالغ المطلوبة، لا يعني بمنطق الأمور انها غير مجدية وبالتالي الاستغناء عنها. انما الذي حدث ان "هناك جهة في هذه الحكومة ترفض مبدأ الخصخصة، وستبقى رافضة للاستعانة بالخارج، ترى ان سد العجز الهائل ممكن ان يتأمن من اموال المودعين"، يقول حاصباني.

تغييب الخصخصة

رفض الحكومة القاطع للخصخصة وعدم تضمينها في خطة الحكومة اعتبره الخبير الاقتصادي ايلي يشوعي "حجة لإبقاء مزاريب الهدر والفساد مفتوحة". فالحل الوحيد الذي كان في الامس القريب قادراً على انقاذ لبنان وضخ الرساميل في جسم الاقتصاد هو "تلزيم كل مرافق القطاع العام في لبنان الى القطاع الخاص المحلي المشترك مع الخارج أو الخارجي"، يقول يشوعي، "إنما مع الأسف فان الاستعجال في إعلان إفلاس لبنان أحبط رغبة الشركات في الاستثمار في هذا البلد وفوّت هذه الفرصة".



"من جرّب المجرّب كان عقلو مخرّب"، مثل ينطلق منه الكثير من الخبراء والمحللين للتشكيك بقدرة المسؤولين على تنفيذ الخطط والوعود، فإصلاح الكهرباء والمياه ووقف التهريب واسترداد الاموال المنهوبة عناوين تتكرر منذ سنوات طويلة من دون أي تنفيذ لغاية اللحظة.

فالديون والخسائر في خزينة الدولة كما تظهر ورقة الحكومة بدأت بالتراكم منذ العام 2009 ولغاية اليوم. وأن أكثر من نصف الخسائر التي تصل الى 43 مليار دولار بدأت في الارتفاع في مصرف لبنان منذ العام 2014. من هنا فان المشكلة بغالبيتها بدأت بالتفاقم خلال السنوات العشر الماضية، ولم تكن تركة ثلاثة عقود من الزمن كما يدعون.

الحل بـ "المؤسسة السيادية"

الحلول المطروحة التي تسوق لها الحكومة والتي تتدرج من المساعدات الخارجية وتفعيل المصاريف الرأسمالية في "سيدر"، إلى استجلاب المساعدات من الدول الصديقة سواء كانت عبر صندوق النقد الدولي او من دونه، ما زالت لا تلقى قبولاً من قوى أساسية موجودة في الحكومة. وحتى لو قبلت الأخيرة "فهل الدول الداعمة تاريخياً للبنان ستقبل بوضع ودائع في المركزي ومساعدته في ظل هذه السياسة الخارجية المتبعة؟" يسأل حاصباني، ليجيب ان "هذا الواقع يقود الحكومة مجبرة من أجل تأمين التمويل الهائل الى نقود المودعين في المصارف، والتي لن تكفيها حتى كميات اموال كبار المودعين".

هذا الحل لمّحت اليه الخطة من خلال عزمها على انشاء صندوق جانبي توضع فيه أموال المودعين المشطوبة أو المخصومة من المصارف بعد تبرئة ذمة الاخيرة، ليصار في ما بعد الى تسديدها من خلال استرجاع الاموال المنهوبة. وهذا ما يعني، برأي حاصباني، ان "هناك أموالاً منهوبة بقيمة تتخطى الـ 50 مليار دولار". لكن ماذا لو كان جزء من هذه الاموال هو جزء من الودائع المعدومة الموضوعة في هذا الصندوق؟ فكيف ستعالج؟... لا جواب شافٍ.

مقابل الـ Bad Bank المنوي انشاؤه يطرح حاصباني "انشاء مؤسسة سيادية توضع فيها الاموال المنهوبة وأصول الدولة، مقابل اعطاء أسهم للمودعين. وبالتالي مع بدء عملية الخصخصة للأصول، ترتفع قيمة الأسهم وتزداد العوائد لحامليها".