Advertise here

مشروعان ممنوعان في لبنان: الإصلاح الإداري والزواج المدني

30 كانون الثاني 2019 12:15:04

"نحن نشعر معكم بالغصة، إذ كنتم ترغبون بأن تبهجوا الشعب اللبناني، وتكملوا فرحة العيد باهداء حكومة جديدة لوطن يُطعن من الداخل، ولشعب يتآكله القلق واليأس وفقدان الثقة بحكامه".

هذا الكلام المحزن قاله غبطة البطريرك بشارة بطرس الراعي لرئيس الجمهورية الجنرال ميشال عون في صرح بكركي يوم عيد الميلاد (25 كانون الأول) من السنة الماضية (2018).

ثم اضاف البطريرك الراعي متوجهاً إلى الرئيس:

"كان شعبنا اللبناني ينتظر هدية العيد حكومة جديدة، بعد إنتظار سبعة أشهر كاملة لتخرجه من قلق المعيشة، والأزمة الإقتصادية المتسببة بتفكك العائلة والحياة الروحية، وبتدني الأخلاق، وسقوط معظم شبابنا ضحايا المخدرات، ومروجيها المحميين..".

وكان رد الرئيس الجنرال عون بالتالي:

"نحن نعيش في ظل أزمة تأليف حكومة، فصلّوا كي تحل الصعوبات... إذ يبدو أن البعض يضع تقاليد جديدة في عملية التأليف لم نكن نعرفها من قبل".

وها أن الأزمة تقارب نهاية السنة الثانية ولبنان يدور على نفسه في حلقة الفراغ والبلادة فلا حكومة على الأبواب، ولا رجاء بالاهتداء الى حل لأزمة الوزير السني المبتكر، وهي أزمة لا سابقة لها في تاريخ لبنان.

وفي أجواء هذه الازمة فتح رئيس الجمهورية ملف "مكافحة الفساد"، وقد وصفه بأنه "بحجم هائل"، وهو في الواقع يعرقل حركة الإدارة، ويشوّه سمعتها، على من فيها من أهل علم، وقانون، وأخلاق، وأمانة، وضمير حي. فالموظف الفاسد في بعض الدوائر أقوى من رئيسه، هذا إذا كان رئيسه من المرتبة عينها.

ويتذكر المؤتمنون على الإدارة اللبنانية من أهل الأمانة والنزاهة كيف حكم النظام السوري هذه الإدارة، وكيف إستغلها خلال سنوات نفوذه المباشر عليها، وما يزال عدد غير قليل من شركاء ذلك النظام في الإدارة اللبنانية، فمتى؟... وفي زمن أي رئيس سوف يتحقق الإصلاح؟

ومع تجدد الإهتمام بالإدارة والإصلاح شبه المستحيل يتذكر المصلحون اللبنانيون مشروع قانون الزواج المدني (الاختياري) الذي أصبح في شبه حكم المستحيل.

ففي عهد الرئيس المغفور له إلياس الهراوي كاد مشروع هذا القانون يسلك طريقه إلى مجلس النواب في مطلع سنة 1998 من القرن الماضي عبر هيئات فاعلة من "المجتمع المدني" بدعم من مجموعة نواب "مدنيين" من مختلف المذاهب الدينية والسياسية.

كان الرئيس الهرواي، بخطوته الجريئة، قد وجه رسالة إلى مجلس النواب بدأها بالمقدمة التالية: "إني أتطلع إلى إلغاء الطائفية من جذورها حتى نستأصل أسباب التناحرات المذهبية المتلاحقة في مجتمعنا، وعلى أرضنا..".

ومنذ ذلك الزمن أُسدل الستار على المشروع، لكن الكلام، كتابة، وخطابة، ومحاضرات، مستمر في السياسة والإعلام، وهذا برهان وتأكيد على حرية الرأي والمعتقد في المجتمع اللبناني.

فذلك المشروع الذي ما يزال في مقدمة إهتمامات النخبة من كل الطوائف والمذاهب يتضمن أرفع مراتب الإحترام للأديان والمذاهب والشرائع والقوانين الروحية، وفيه درجة حرية عالية للمواطن اللبناني كي يختار مع شريكته في الحياة، قانوناً يتفق مع طبائعهما وثقافتهما المشتركة...

وقد وصف دعاة المشروع فحواه بأنه مجرد خطوة في مسيرة طويلة نحو مجتمع مدني حر باختياره وبقراره، متحرر من رواتب الكوارث الموروثة... مجتمع مؤمن يمنحه إيمانه القوة والعزم للحفاظ على الوطن، وعلى الوعي لإقامة نظام الديموقراطية والحرية والعدالة. وإذا كان ثمة ادنى خطر في هذا المشروع على وحدة المجتمع اللبناني، فالخطر الأكبر هو في مشروع قانون عاجل لإلغاء ما يسمى "الطائفية السياسية" في النظام..

ويا ليتها "سياسية" فقط. فلو كانت سياسية لأمكن علاجها، أو قمعها... فليس للسياسة حرمات... الحرمات للطائفية (المقوننة)... فمن يجرؤ على المسّ بها؟!

لذلك فإن مشروع الزواج المدني الاختياري هو "حجر صغير" يمكن رفعه لوضعه في اساس نظام مدني لمجتمع يجب أن يتدرج على سلم الارتقاء إلى مرتبة الانصهار في الوطن، وفي الشعب. أما مشروع إلغاء الطائفية السياسية فانه حجر كبير، ليس له، بعد، من يستطيع رفعه، فكيف بمن يحاول أن يضرب به؟!