Advertise here

كيف وصلنا إلى هنا؟

06 نيسان 2020 13:47:17

فتح النقاش في الأوساط السياسية والإعلامية  الأميركية والغربية والدولية حول الأسباب الحقيقية  التي أدت لوصول العالم إلى الواقع الراهن ومدى تحمل النظام الرأسمالي هذه المسؤولية لا سيما مع صعود التيارات الشعبوية المتطرفة التي ترفع شعارات فيها الكثير من العنصرية والانغلاق والتقوقع، ولا تكترث حتى للأطر المؤسساتية والديمقراطية التي تقوم عليها الأنظمة الغربية.

الواضح أن إنتشار شعبية الخيارات الإشتراكية التي تشير إلى المساواة والعدالة الإجتماعية وتكافؤ الفرص والتقديمات الإجتماعية وفي مقدمها الطبابة وضمان الشيخوخة وسواها من العناوين يحقق توسعاً ملحوظاً  في أوساط الشباب الأميركي الذي يشعر بمستوى  التفاوت الإجتماعي الذي يكرسه النظام الرأسمالي  والمخاطر الكبرى التي يولدها على صعيد الفوارق الهائلة بين المواطنين ما يجعل المجتمعات محطمة بكل ما للكلمة من معنى.

لا شك أن الرأسمالية نفسها مسؤولة عن إعادة إحياء نظريات الإشتراكية الديمقراطية لا سيما على النمط الأوروبي، حيث حققت مجموعة من الدول (لا سيما  الاسكندنافية منها) نجاحاً ملحوظاً في التوفيق بين الحفاظ على الحرية الإقتصادية والمبادرة الغربية  وبين الوظيفة الإجتماعية للدولة التي يمكن من خلالها  للدولة أن تتدخل في نواحي الحياة الاقتصادية بما يعزز المساواة بين المواطنين ويحقق  لها الحد الأدنى  من الضمانات المعيشية مثل الطبابة والصحة والشيخوخة وسواها من الحقوق التي تتحول إلى مكتسبات ضرورية للرفاهية والعيش اللائق والكريم.

وبعيداً عن النقاش النظري العميق حيال الرؤية  الرأسمالية للنظريات الماركسية لا سيما من زاوية فشلها في التوقع الصحيح حيال انهيار النظام  الرأسمالي، فضلا عن التشوهات التي واكبت تجسيد تلك النظريات في التجربة الشيوعية وحقبة الحرب الباردة وصراع الثنائيات القطبية؛ إلا أن ذلك لا يلغي  ان الرأسمالية كرست الفوارق الاجتماعية. وإذا كانت  نجحت في تحقيق الثراء لمجموعات معينة، إلا أنها  أفقرت الطبقات الكادحة والعمالية التي تحولت  مكوناتها إلى مجرد أرقام في الآلة الصناعية الحديثة  التي أعقبت الثورة الصناعية.

قد يتساءل القارىء الذي يرزخ تحت وطأة "كورونا"،  وهو الوباء الذي ألزم سكان الأرض في بيوتهم وشل الحركة الإقتصادية والتجارية والمالية والسياحية، وأوقف حركة الملاحة الجوية والنقل والشحن، وأعاد الكرة الأرضية برمتها إلى البديهيات (من غسل الأيدي صعوداً نحو البحث الطبي الحثيث لعلاج لهذا المرض الخبيث)؛ قد يتساءل: هل الوقت  للخوض في نقاش  نظري عميق حول الإشتراكية والرأسمالية والماركسية  واللينينية وما بينهم من اشكاليات تاريخية وتعقيدات  تراكمية تعود جذورها إلى عقود خلت؟ طبعاً، السؤال في ظاهره محق ومشروع.

ولكن السؤال الأكثر جدارة واستحقاقاً يتصل بمدى إمكانية الفصل بين هذا النقاش وبين الواقع القائم في ظل تفشي الوباء. بمعنى آخر، ألا يمكن تفسير بعض جوانب ما وصلت إليه البشرية والكرة الأرضية حالياً من خلال طبيعة الواقع الإجتماعي المرتكز على الاستهلاك الريعي والمقاربة المركنتيلية على حساب المبادىء الإنسانية الأساسية القائمة على المساواة والعدالة الإجتماعية دون احتساب التمييز في العرق واللون والجنس وسوى ذلك من الفوارق التي ولدها المجتمع إياه.

هل أن الواقع الإجتماعي كان من الممكن أن يصبح مختلفاً لو أن أنماط الانتاج والعلاقات المجتمعية المختلفة؟ وهل كانت الأمراض والأوبئة لتنتشر  وتتفشى بهذا الشكل المرعب لولا هذه التركيبة الإقتصادية والإجتماعية والبشرية؟ مع التحوّل الكبير الذي ستشهده البشرية بعد الانتهاء من هذا الوباء، ربما تكون الفرصة سانحة لإعادة الاعتبار لبعض البديهيات التي سقطت بفعل الجشع التجاري وقد غلّفت نفسها  بلباس "الحضارة والتقدم والرقي".