Advertise here

دور الفرد في زمن كورونا

03 نيسان 2020 11:58:08

يعيش العالم اليوم أزمةً قد تكون وجودية على البشرية جمعاء مع تفشي وباء الكورونا. هذه الأزمة دفعت جميع الدول، والمجتمعات، والأفراد، للتفكير في كيفية مواجهتها والحد من انعكاساتها، ليس فقط على المستوى الصّحي، إنّما على المستويات الاجتماعيّة، والاقتصادية، والنفسيّة، وحملتهم على وضع البرامج والخطط اللّازمة لمواجهتها.

فعلى صعيد الحكومة اللبنانيّة، فمن الواضح أنّها تردّدت في اتّخاذ القرارات الوقائية في الوقت المناسب، لا سيّما إقفال المطار، والمعابر البريّة الشّرعية وغير الشّرعيّة، فضلاً عن أنّ الإجراءات التي اتّخذتها وزارة الصّحة، ورغم أهمّيتها إلّا أنّها لم تكن بحجم المخاطر، وسرعة تفشّي الوباء.

أمّا وقد وصلنا إلى ما وصلنا إليه، فقد أضحى من واجب الحكومة المبادرة الفوريّة إلى التشدّد في تطبيق قرارها بالتعبئة العامة، وإلّا إعلان حالة الطوارئ، وتسريع العمل على إنجاز وتجهيز كافة المستشفيات الحكوميّة بالمعدّات اللّازمة لاستقبال مرضى الكورونا، والإفراج عن الأموال العائدة للمستشفيات الخاصّة كي تتمكّن من لعب دورها في مواجهة هذا الوباء. يُضاف إلى كلّ هذا استحداث مراكز للحجر، وإيواء حامِلي الفيروس في مختلف المناطق، وإن اضطرّها الأمر إلى مصادرة الفنادق والمراكز الاجتماعية والدينية التي تَصلح لذلك. كما على الحكومة تأمين فحوصات PCR بأعدادٍ كبيرةٍ لإجرائها على أكبر عددٍ من المواطنين، وذلك بعد استحداث مراكز في مختلف المناطق اللبنانيّة، ولا سيّما البعيدة منها. 

لكن يجب عدم إغفال الحكومة لدورها وواجبها الاجتماعي برفع الظلم عن كاهل مواطنيها، لا سيّما الفقراء والمحتاجين من جرّاء الأزمة الاقتصاديّة الخانقة، وتأمين المستلزمات الضرورية لمعيشتهم بعد انكفائهم بعيداً عن مراكز أعمالهم. 

أمّا على صعيد البلديات والأحزاب والجمعيات فإنّها، وعلى الرغم من المبادرات التي اتّخذتها، وقامت بها مشكورة، للمساهمة في الحد من انتشار الوباء، غير أنّها في بعض الأحيان كانت غير منسّقة، وغلب عليها طابع الشعبوية، والفوضى، والانسياق خلف بعض الحساسيات السياسية والانتخابية والعائلية، مترافقةً مع مظاهر إعلانية وإعلامية كان لها انعكاس سلبي على الغاية الرئيسية من عملها.

من هنا لا بدّ لبعض هذه الجهات والقيّمين عليها إدراك أنّ الوقت ليس لتصفية الحسابات، إنّما للعمل على درء مخاطر هذا الوباء، كونه لا يميّز بين عائلة وأُخرى وحزبٍ وآخر، لكنه وباءٌ فتّاك في حال انتشر في مدننا، وبلداتنا، وقرانا، وأحيائنا، وستكون نتائجه كارثيّة، وبالتالي فالمسؤولية تفرض على كلّ هذه القوى ترك الاعتبارات الخاصة جانباً، وعقد العزم على التعاون فيما بينها لحفظ وسلامة أبنائها، وللتخفيف عنهم ثقل الأعباء الاقتصادية والاجتماعية التي بدأت نتائجها جليّةً وظاهرة على شريحةٍ كبيرة من المواطنين، والتي ستزداد يوماً بعد يوم في حال عدم إيجاد اللقاح والدواء اللازم حتى الآن. 

فالواجب إذاً يدعو هذه الجهات والمجتمع الأهلي، بكافة أطيافه، إلى المبادرة الفورية لإنشاء صناديق مالية محلية لدعم المحتاجين والفقراء كلٌ ضمن نطاقه. 

أمّا على صعيد دور الفرد في ظل هذه الأزمة فإنّه لا يقلّ أهميّة عن دور الحكومة، والبلديات، والأحزاب، والجمعيات على حدٍ سواء، كون عمل هذه جميعاً يستهدفه مباشرةً لجهة تأمين الحماية الصحيّة والاجتماعية له، وبالتالي تقع على عاتقه مسؤولياتٍ كبيرة للمساعدة على  تخطّي أزمة الوباء وتجاوز الأزمة الاقتصادية، وإبعاد شبح الفقر عنه في ظلّ إفلاس الدولة، والتي تبدأ بتغيير بعض السلوكيات في حياته اليوميّة، والابتعاد عن بعض المفاهيم التي من شأنها إفقاده الحسّ، والشعور الإنساني، ومنها على سبيل المثال:

-عدم الهلع، والالتزام بالقرارات والتعليمات والتوجيهات الصادرة عن الجهات الرسمية والخاصة للوقاية من هذا الفيروس، والتي قد يكون أهمّها الالتزام بالبقاء في المنازل، وعدم الخروج منها إلّا للضرورة القصوى.

-تعامل الفرد عند معرفته بأنّه حاملٌ للفيروس بمسؤولية، واتّباع التعليمات والنصائح الطبيّة، والتقيّد التّام بالحجر المنزلي، أو الأماكن المخصّصة لذلك كي لا يتسبّب بنقل الفيروس إلى أشخاصٍ آخرين، وهو ما يؤدي إلى تفشّي الوباء، وهذا ما تترتّب عليه مسؤوليات أخلاقيّة وقانونية.

-عدم نبذ الأشخاص حاملي الفيروس، واحتضانهم، والتعامل معهم بحسٍ إنساني بعيداً عن التمييز والعنصرية، وأسلوب التنمّر.

-التخلّي عن الأنا الفردية، والعمل على تكريس مفهوم التكافل والتعاضد بينه وبين أفراد مجتمعه، ما يوجب عليه الامتناع عن الاستئثار بالمساعدات التي تقدّمها الجمعيات، والصناديق، والأحزاب، إفساحاً بالمجال لسواه للاستفادة منها أيضاً ومداورة، ما يساهم في وصول المساعدات لأكبر شريحةٍ محتاجة، ولفترات زمنية أطول.

-السّعي مع محيطه الأقرب، أي عائلته الصّغرى، أو الكبرى إلى إنشاء صندوق (أو قجّة) أسبوعية، أو شهرية، يكون هدفه توفير الوجبات الغذائية والأدوية اللّازمة لها. 

-المبادرة الفورية فردياً، أو ضمن جماعات، إلى العودة للأرض، وزراعتها، والاستفادة من خيراتها.

-وجوب التخلّي عن بعض الأنماط المعيشية السائدة، والمرتكزة على الإنفاق على ما هو غير ضروري، وحصره بما هو ضروري لعيشه واستمراريته.

هذه بعض الأمثلة على الخطوات الواجب على الفرد اتّباعها، والعمل عليها في المرحلة الحاضرة، وما هو قادمٌ من الأيام والسعي إلى تغليب روح العطاء لديه، والعمل المباشر مع أفراد مجتمعه بكافة قواه ومؤسّساته للنجاة من وباءٍ فتّاكٍ وجوعٌ لا يرحم.

 

(*) رئيس مجلس الشرف في الحزب التقدمي الإشتراكي