لعنة وطن!

02 نيسان 2020 08:15:00 - آخر تحديث: 06 أيلول 2020 20:46:38

لم يشهد لبنان، منذ تأسيسه، هذا الإنحدار السريع والدراماتيكي على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والمالية. وما كان ينقص المواطن اللبناني من مآس وآلام جرى تعويضه من خلال ميوعة واستخفاف المسؤولين غير المسبوق في مواجه وباء "كورونا".

بيد أن كل ما جرى ويجري في البلاد يبقى سهلاً أمام خفة ووقاحة وجشع "حكّامه الجدد" وانفصامهم ومكابرتهم ورعونتهم في إدارة الأزمات... ليتحولوا بالنسبة الى اللبنانيين الى ما يتعدّى "الوباء"... ليتحولوا الى "لعنة" بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ وصورٍ وحقائق.

الكورونا في عهد الإنهيار

صحيح أن اللبنانيين يدفعون اليوم ثمن السياسات الإقتصادية والمالية المتعاقبة منذ ما بعد الطائف، عندما كان النظام الامني السوري - اللبناني هو المتحكم في جميع يوميات الدولة... لكن ما جرى في السنوات القليلة الماضية كان قمة في انعدام المسؤولية وتفشي وباء الهدر والفساد والتسلط و"مرض السلطة"... هذا التوجه الذي بلغ ذروته تحت قيادة "الحكّام الجدد" في أمور البلاد والعباد.

دخلنا الإنهيار الاقتصادي الكبير على وقع تظاهرات شعبية غير مسبوقة حملت أبعاداً سياسية واجتماعية، استقالت حكومة الرئيس الحريري لتحل الحكومة الحالية محلها.. من بيانها الوزاري الإنشائي ذي المضمون الفارغ، مروراً بالتخلف عن دفع مستحقات اليوروبوندز في ظل غياب الرؤية الاقتصادية - المالية للخروج من الانهيار الحاصل، وصولاً الى الخفة غير المسبوقة في مواجهة وباء العصر عبر إعلان هجين مطاط وغير مفهوم أسموه "التعبئة العامة".. تتلقى "حكومة أكياس الرمل" الضربات وهم يتفرجون.

يختار "الحكّام الجدد" توقيت الخروج من عليائهم وحالة النكران، ليزفوا للشعب مثلاً خبر البدء بحفر البئر الاستكشافي الأول للنفط، ليغطوا بعدها بسباتهم العميق.. يختفون عند بدء انتشار وباء الكورونا ولا تسمع لهم حسّاً، يتهربون من الإعلان البديهي لحالة الطوارئ لأنها ربما تهدد حلم الرئاسة المستقبلية، ليطلوا برسالة عاطفية عبر السكايب.. يمارسون ترف الحكم وكأن المسؤولية menu a la carte.

السيادة المستباحة

يستقيل "الحكّام الجدد" من مسؤولياتهم، ليسلّموا أمرهم لأولياء الأمر الحقيقيين من أجل إدارة دفة الحكم وتسيير شؤون البلاد، فهم مهتمون فقط بأمرين إثنين: الكرسي والصفقات، ودون ذلك لا شيء يعنيهم. أتمّوا صفقة الافراج عن عامر الفاخوري لارتباطها بعقوبات مفترضة عليهم وأرادوها طبعاً دفعة على حساب الرئاسة المستقبلية.

استقالوا من القيام بأدنى الإجراءات السيادية التي تحمي ما تبقى من شكل الدولة... فالمعابر الجوية والبحرية والبرية مستباحة، والسياسة الخارجية تعبّر عن رأي فريق واحد مرتبط بمشروع اقليمي خاص لا أكثر.. خرج لبنان من محيطه العربي وهاجم دولاً يعتاش من خيرها الكثير من أبنائه، ولا من يحاسب.

القرار السيادي مفقود إلّا على مستوى المواجهة الكبرى (أو الصفقة المستقبيلة الكبرى) التي يريدها ويديرها الفريق المتحكّم مع "الشيطان الأكبر"، أو في حروب الإقليم المتعددة التي يشارك فيها بفعالية وبدور محوري.. في ظل التزام منقطع النظير خاصة في ما يتعلق بسياسة النأي بالنفس وحياد لبنان عن صراعات المنطقة!الكهرباء زينة أهل العهد

لم تفلح كل الطلبات الدولية والضغوطات المحلية، حتى الساعة، في ثني "الحكّام الجدد" عن تعديل مقاربتهم لأزمة الكهرباء.. نصائح البنك الدولي الصريحة والشروط الواضحة للممولين المحتملين (إن بقي منهم أحد مهتم) لم تحرك لهم ساكناً ولم يرف لهم جفن، فتراهم يناورون من دون كللٍ أو ملل.

تكسّرت كل الطروحات والمشاريع العلمية على أعتاب أهل العهد.. بل أكثر من ذلك، فلقد تحول ملف الكهرباء من مجرد "مورد رزق" يدر عليهم المال الوفير الى نواة مشروع جهنمي - تقسيمي تحت شعار "اللامركزية المالية" بهدف شدّ العصب مجدداً وتعويض خسائر الشارع، في ظل صمت مدوٍ من معظم القوى السياسية.

ما العمل؟

ما العمل مع هذه الفئة؟ مع هذا الوباء؟ مع هذه اللعنة التي حلّت على الوطن؟ لا يوجد أبلغ من تغريدات وليد جنبلاط حين يقول: "ماذا تفعل هذه الحكومة التي لم يذكر رئيسها كلمة واحدة عن الاصلاح وقطاع الكهرباء وحماية الصناعة وضبط الحدود الشرعية وغير الشرعية وتجاهل الكورونا والتشكيلات القضائية وغيرها، كلام غامض حول الدين (العام)، الحقيقة هي تعميم الإفلاس والإنتقام من طبقة سياسية من خلال الحقد والظلام الشمولي".. أو حين يسأل: "إلى جانب أزمة الكورونا أين هي الخطة الاقتصادية الإصلاحية للحكومة، أم ما زلنا في موقع الحجر باتخاذ أي قرار ابتداء من قطاع الكهرباء؟ هل نسيت توصيات cedar والتوصيات التقنية لصندوق النقد الدولي بالإصلاح وقد نضع في الأولويات دعم جيش المحتاجين والعاطلين عن العمل؟".