Advertise here

أسباب الانتشار السريع لكورونا في أوروبا الغربية والولايات المتحدة

01 نيسان 2020 10:39:00 - آخر تحديث: 01 نيسان 2020 12:26:21

منذ أواخر كانون الأول 2019، ظهر فيروس COVID -19  في مدينة ووهان في الصين قبل أن ينتقل إلى أرجاء العالم، وحصد حتى اليوم أكثر من 700 ألف مصاب على مستوى العالم، وتعافى 133 ألف شخص، وفقاً للبيانات الصادرة عن جامعة جونز هوبكنز الأميركية، وذلك بفضل الجهود غير المسبوقة للأطباء والممرضين، وغيرهم من العاملين في مجال الرعاية الصحية، والذين يقفون في الخطوط الأمامية في المعركة  ضد فيروس كورونا المستجد.

وفي مراجعة لأعداد المصابين في العالم، نرى أن الصين قد سيطرت على الأوضاع الطارئة التي سبّبها انتشار فيروس كورونا، وبدأت الحكومة الصينية بتخفيف بعض القيود التي فرضتها لكبح انتشار الوباء. أما دول أوروبا، وخاصة الغربية منها، وبعدها الولايات المتحدة الأميركية فقد أصبحتا على التوالي البؤرة الجديدة للوباء، ولم تستفد من فترة السماح التي أعطيت لحكوماتها، ولم تستفد أيضاً من خبرة الصين وكوريا الجنوبية في محاربة الوباء، وذلك بعزل المناطق المصابة، وإجراء فحصٍ مكثّف للفيروس، وعزل المسنين والمصابين بأمراضٍ مزمنة بالإضافة إلى كل أصحاب النتائج الإيجابية من كل الأعمار.

فترة السماح هذه، ولأكثر من شهرين، كانت كافية لتأخذ الحكومات الغربية قرارات حاسمة، خاصةً وأن علماءها هم الذين اجتهدوا في توصيف الوباء، وخطورة انتشاره وكيفية الوقاية منه، ويعملون بقوة على استحداث لقاح، أو دواء ينتظره العالم كله. ففي زمن الكورونا علينا أن نرفع شعار العلم في مواجهة كمٍ كبير من الشائعات التي يتم تردادها في فضاء التواصل الاجتماعي .

فمن يا ترى كان يهمس في آذان زعماء العالم الغربي؟

إن دول أوروبا الغربية، والمدن الأميركية الكبيرة المكتظة، تتمتع بمواصلاتٍ أرضية متقدمة من باصات، وقطارات، ومترو… ويستقلها معظم الساكنين في المدن الكبيرة يومياً مِن وإلى عملهم، وتُستعمل أيضاً لنقل البضائع والمنتوجات على أنواعها بين المدن والريف. هذه المواصلات، ومعظمها موجودة تحت الأرض، لا تتمتع بالتهوئة اللازمة المطلوبة للتخلص من الفيروس الذي يتناثر أرضاً، وفي كل أرجاء المركبات وهوائها لمدة ساعات طويلة. وبالمناسبة فإن مركبات المواصلات الأرضية التي لا توفر مقاعد مخصّصة لكل راكب، لا تتمتع بمقومات العزل الموجودة في الطائرات أو السيارات .

لقد تساهلت حكومات كبرى الدول الأوروبية، وحكومة الولايات المتحدة الأميركية في مواجهة الوباء، فلم توقف القطارات، والمترو، ووسائل النقل الأخرى في الوقت المناسب ،وجاءت قراراتها في التعبئة والعزل متأخرة بعد أن اصطدمت باختيار أولوياتها: أولوية إنقاذ البشر، أم إنقاذ الاقتصاد.

صحيحٌ أن الناس تموت وتعيش، ولكن صحيح أيضاً أن الاقتصادات العالمية مرّت عشرات المرات بهزاتٍ، وإفلاسات، وأُعيد بناؤها في كل مرة.

وهنا انكشفت هشاشة المنظومة الأوروبية والأميركية، وظهر أداء رؤساء وحكومات الدول الغربية، الذي طالما وضع الإنسان وحريّته الفردية فوق كل اعتبار، سيئاً ومتأخراً، فتفشّى الوباء بسرعة قياسية، وأتت النتيجة كارثية.

في المقابل، استطاعت دول أخرى، كدول الخليج العربي، احتواء المرض، وهي التي استثمرت في البنية التحتية للرعاية الصحية لسنواتٍ مضت، كالكويت والإمارات العربية المتحدة والبحرين، وخصوصاً المملكة العربية السعودية، وذلك من خلال خبرتها في التعامل مع الحشود أثناء الحج، فوضعت إمكانياتها الضخمة بهدف احتواء الوباء، ومنع انتشار الفيروس. أما البحرين فكانت أول دولة تستعمل دواء هيدروكسي كلوروكين، واتبّعت بروتوكول العلاج الذي اتُّبع في الصين ووافقت عليه منظمة الصحة العالمية، ولم تنتظر القرار الأميركي.

العالم بعد كورونا لن يعود كما كان قبله، أقلّه في المجال الصحي، ومجال النقل. ففي المجال الصحي سيعيد العالم ترتيب أولوياته ليضع الصحة في مرتبةٍ متقدمة، وفي مجال النقل ستطرأ عليه تغييراتٍ جذرية  للحد من انتشار الأوبئة.

لا شك أننا سائرون بعد هذا الوباء بخطى ثابتة نحو عالمٍ آخر، لأن كل الكوارث التاريخية الكبرى الناجمة عن أوبئة أدّت إلى تغييرات أساسية في البُنى السياسية، والاقتصادية، والثقافية للأمم .

(*) رئيس قسم جراحة الأعصاب والدماغ والعمود الفقري في الجامعة الاميركية في بيروت.