Advertise here

هكذا قرأت إسرائيل تصريح باسيل عن حقها في الدفاع عن وجودها!

28 كانون الثاني 2019 19:06:05

كتبت صحيفة هآرتس الاسرائيلية تقول:

"هل الأحداث على الحدود الجنوبية في لبنان تجعلك غير قادر على النوم؟" سئل وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل في مقابلة أجرتها معه محطة "سي.إن إن"، فأجاب: "ما يمنعني من النوم هو العنف وانتهاكات إسرائيل المستمرة والمتكررة، والمس بسيادتنا واستقلالنا." وأضاف باسيل: "لدينا قائمة بـ 150 انتهاكاً إسرائيلياً للقرار 1701 (الذي أدى إلى إنهاء حرب لبنان الثانية، ت.ب). فإذا كانت إسرائيل فعلاً تريد المحافظة على أمنها، وهذا حقها، عليها التوقف عن مهاجمة الدول الأُخرى."
لقد أثار هذا التصريح غير المسبوق لباسيل الذي يعترف فيه بحق إسرائيل في الدفاع عن أمنها عاصفة كبيرة من ردات الفعل سواء في الأوساط السياسية أو في وسائل التواصل الاجتماعي، التي ذكّرت باسيل بتأييدة "المقاومة" وحزب الله. لكن وزير الخارجية الذي يترأس "التيار الوطني الحر"، الذي أنشأه رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، لم يتراجع عما قاله، فما يقلقه حالياً ليس التعليقات على ما قاله، وإنما الخطوات الدولية التي تشمل عقوبات على إيران، والمؤتمر المعادي لإيران الذي دعا إليه دونالد ترامب، والذي من المتوقع عقده في وارسو في منتصف شباط/فبراير. ويشاطره حزب الله هذا القلق، لأن خطوات كهذه من الممكن أن تؤثر على مكانته في لبنان، ولا سيما على وضع الحزب.
منذ انتخابات أيار الماضية، لم تنجح حكومة تصريف الأعمال برئاسة سعد الحريري في التوصل إلى اتفاق لتأليف حكومة جديدة، وبالتالي هو غير قادر على اتخاذ قرارات حيوية في مجالي الأمن والاقتصاد. العقبة الأساسية هي حزب الله الذي يمكنه أن يفرض فيتو على القرارات، لأن الدستور يفرض موافقة الثلثين زائد واحد من أعضاء الحكومة لدى اتخاذ قرارات ذات أهمية قصوى، ويكفي أن تحصل إحدى الكتل على دعم ثلثي أعضاء الحكومة لكبح أي قرار مهم. ويتطلع حزب الله، الذي كان يملك في الماضي "الثلث المعطل"، مع حلفائه إلى الاستمرار في تقرير خطوات الحكومة، لذلك هو يرفض بعض المرشحين لمناصب وزارية، ويصر على ضم وزير سني من حصة رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة، الأمر الذي يرفضه هذان الرئيسان. لكن خلال الأسبوع المنصرم سُمعت أصوات جديدة تقول إن الحزب مستعد للتنازل والسماح للتيار الوطني الذي يتزعمه باسيل بالاحتفاظ بالثلث المعطل، الأمر الذي يمكن أن ينهي الأزمة السياسية. إذ يعتقد حسن نصر الله أن في إمكانه التوصل إلى اتفاقات مع باسيل، وخصوصاً على خلفية استعداد هذا الأخير الخروح عن السياسة المعلنة للحكومة ورئيسها، وزيارة الرئيس بشار الأسد.
لا يحتاج حزب الله إلى استئناف علني للعلاقات بين لبنان وسورية للحصول على سلاح أو على مساعدة لوجستية، ذلك بأن إسرائيل، لا القطيعة مع سورية، هي التي تعرقل استخدامه مساراً آمناً لنقل السلاح والعتاد. لكن عدم وجود حوار سياسي بين سورية ولبنان يعرقل عودة نحو مليون لاجىء سوري من لبنان إلى بلدهم، ويقوي موقف خصوم الحزب في الحكومة المعادين لإيران. حزب الله هو اليوم أسير بين سعيه لتقوية موقف إيران وسورية، وبين حاجته إلى أن تكون لديه قوة سياسية تسمح له بفرض موقف في الحكومة. لكن مع عدم وجود حكومة ليس لدى الحزب أداة ضغط حقيقية، وموقفه المتصلب فيما يتعلق بتأليفها يجعله يبدو بمظهر المعرقل لتخطي لبنان الأزمة الاقتصادية الصعبة التي يمر بها.
من شأن التفاصيل التي نشرتها صحيفة "الأخبار" المقربة من حزب الله، فيما يتعلق بنقاشات مجلس الأمن الأعلى الذي يترأسه رئيس الجمهورية أن تدل أيضاً على القيود العسكرية التي تثقل على الحكومة. فعلى سبيل المثال طلب قائد الجيش، العضو في المجلس، الاستحصال على أوامر من المستوى السياسي بشأن كيفية التعامل مع الخروقات الإسرائيلية، ولا سيما الجدار الذي تبنيه إسرائيل على طول الحدود، فكان الجواب: "عزّز قواتك في المنطقة، ونحن سنبحث في مسألة الرد"، أي لا تفعل شيئاً. كذلك تساءل رئيس الاستخبارات العسكرية في سلاح الجو اللبناني طوني منصور عن سبب الضجة وقال: "ما الذي جرى؟ كان هناك سياج من الحديد ولم نكن ضده، الإسرائيليون يبنون مكانه جداراً، ما الذي تغير؟ الآن نحن لا نراهم وهم لا يروننا." وأوضح منصور الذي يعارض الرد العسكري قائلاً: "في أي رد، الجيش اللبناني لن يصمد أكثر من 24 ساعة." وقد رد الحريري أنه مع الرد، بيد أن أي رد عسكري يجب أن يتم بعد موافقة رئيس الجمهورية والجيش لا حزب الله، وهما اللذان يحددان نوع الرد، إن كان سيحدث. وإلى جانب عدم الاعتراف بعدم قدرة الجيش اللبناني على مواجهة إسرائيل، من الواضح أيضاً أن حزب الله اضطر إلى ضبط نفسه، كي لا يعقّد أكثر عملية تأليف الحكومة، منعاً للضرر الذي قد يتكبده لبنان من جهة إسرائيل، وكي لا يتسبب بنقل ساحة القتال الإسرائيلية من سورية إلى لبنان.
من هنا، أيضاً مصطلح "المقاومة"، الذي هو سبب وجود حزب الله، خاضع لاعتبارات سياسية وحكومية، تفرض نفسها على الحزب إذا كان يريد مساعدة سورية وإيران. لكن شبكة الضغوط ليست ثابتة، فهي مرتبطة بنيات إسرائيل، وخصوصاً بعملياتها العسكرية في سورية ولبنان. حزب الله مستعد لمنح اللبنانيين الحق في النوم باطمئنان، ما دامت إسرائيل لا تزعجهم.