Advertise here

إنه ريتشارد مورفي!

28 كانون الثاني 2019 12:55:00 - آخر تحديث: 28 كانون الثاني 2019 16:08:02

خلال الأسبوع الفائت كانت ردهة الاستراحة في أحد فنادق بيروت الكبرى ما تزال مزدانة بزينة الأعياد، وكانت الوجوه واللغات الأجنبية تختلط وتندمج بالموسيقى المنسابة في الأرجاء المطلة على بحر بيروت الأزرق الهادئ وكأنه يناجي بياض ثلج "صنين" الساطع من الأعالي.

وعلى شرفة أمام ذلك المشهد شبه النادر في عواصم العالم توزعت شلل النزلاء والروّاد في حلقات تحت المظلات.

وفي ذلك الدفء، والسكون، كان الجلساء موزعين ثنائياً، وثلاثياً، ورباعياً، وليس أكثر، وكان الكلام قليلاً، وباصوات منخفضة، لكنها كانت مسموعة ومفهومة، وكانت تدور على عاديات الأمور والشؤون العامة.

وكان هناك ثنائي من رجلين يتكلمان بالأنكليزية، وسوف يتبيّن أن أحدهما لبناني، وكان ثنائي آخر من لبنانيين يفهمان الإنكليزية بدرجة عالية... وكان الثنائيان متقاربين.

هي مصادفة كانت "خيراً من غير ميعاد" كما يقول المثل العامي الدارج.

ففي سياق الحديث سوف يجد الثنائي اللبناني نفسه مصغياً بغير قصد، إلى ما يدور في جلسة الثنائي الآخر المتحدث بالإنكليزية، والمبتهج بطبيعة لبنان الذي كان يمضي فيه عطلة الأسبوع أكثر من مرة في الشهر خلال فصلي الربيع والصيف.

ثم يوضح: كان ذلك خلال إقامته في دمشق بصفته الديبلوماسية في عقد السبعينات من القرن الماضي.

ويضيف: أحببت لبنان، وسورية، وعدت إلى دمشق وبيروت في الثمانينات، وكنت في مهمة رسمية مكلفاً السعي إلى تسوية بين أركان الدولتين للإتفاق على مرشح موحد للرئاسة اللبنانية بعد إنتهاء ولاية الرئيس امين الجميل (23 أيلول 1988)، وقد توصلت بنتائج إتصالاتي ومباحثاتي مع الجانبين اللبناني والسوري إلى طرح إسم النائب مخايل الضاهر مرشح تسوية لرئاسة الجمهورية اللبنانية.

ثم يتوقف الديبلوماسي الاميركي السابق، وكأنه يسترجع بعض تفاصيل تلك المرحلة ليعود ويتابع: لكنهم، في دمشق، لم يقبلوا نصيحتي، فقلت لهم، محذراً: مخايل الضاهر رئيساً... او الفوضى!.

ويعود فيكمل: ...وهذا ما حصل...

وما حدث بعد ذلك معروف: حرب لبنانية أهلية، وضحايا بعشرات الالوف، ودمار، وهجرة، وتشرد، وفوضى، حتى تم إتفاق الطائف بين النواب اللبنانيين، وبعده إنتخاب الشهيد مسبقاً رينيه معوض رئيساً للجمهورية، وقد لقي حتفه في إنفجار منظم صبيحة يوم الاحتفال بذكرى الاستقلال (22 تشرين الثاني 1988) لتؤول الرئاسة إلى المغفور له الياس الهراوي بقرار دمشق.

عند هذه الخاتمة توقف الديبلوماسي الأميركي عن سرد أحد فصول المهمة التي إنتدب للقيام بها بين بيروت ودمشق.

وجاء سؤال رفيق جلسته عن رؤيته لمستقبل لبنان في هذه المرحلة، وقد بلغت أزمة تشكيل حكومته شهرها التاسع ولم تتوصل إلى أدنى حل بعد؟

وكان الجواب: مسار لبنان حالياً، وفي المستقبل القريب، أو البعيد مرتهن، بتطور الاوضاع في سورية، وعلى اي تسوية سوف تستقر، خصوصاً أن الأوضاع في البلدين متواصلة، ومترابطة، سياسياً، وإقتصادياً، وإجتماعياً.

ثم أشار الديبلوماسي الاميركي إلى نقطة أساس، وهي قاعدة "المصير المشترك" على ما يقول بعض المسؤولين في الجانبين، فهل بالإمكان الفصل بين الدولتين؟... ثم، لماذا يكون خلاص لبنان من خلاص سورية؟

ويضيف: لا ننسى إيران ودورها ووجودها في البلدين... ولا يجوز ان يكون لبنان رهينة.

ثم يقول: الوضع صعب جداً، وهناك كلام كثير عن "صفقة العصر" في المنطقة، وبعض دول الخليج تعمل لمشروع تسوية بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، ودول عربية اخرى، فاذا نجحت هذه المحاولة يتقلص نفوذ إيران في المنطقة، وفي سائر دول الشرق الأوسط.

ويستدرك الديبلوماسي الاميركي ليوضح ويركز على نقطة جوهرية وهي أن تسوية تاريخية بين الدول العربية وإسرائيل سوف تجعل مدينة القدس "عاصمة روحية" لجميع الاديان في العالم، وستكون حصة فلسطين والعرب كبيرة ومميزة في هذه المدينة – العاصمة العالمية.

وختم الديبلوماسي حديثه الطويل مع صديقه اللبناني باشارة إلى أن الرئيس الاميركي دونالد ترامب، إذا تمكن من تجديد رئاسته في دورة ثانية فسوف يجعل مهمته توريد قيم أميركا الديموقراطية، والإنسانية، والمدنية والحضارية لتعم جميع أنحاء العالم.

عند هذا الحد انتهى لقاء الثنائي الاميركي – اللبناني، وكانت تفاصيله قد إستقرت، بمعظمها، في ذاكرة الثنائي اللبناني المستمع بطريقة شرعية لا يؤاخذ عليها.

وحين وقف الأميركي ليودع صديقه اللبناني، ثم غادرا معاً، قال أحد الثنائي اللبناني لجليسه:

ألا تتذكر إسم السفير الأميركي الذي قاد حملة إنتخاب مخايل الضاهر رئيساً للجمهورية سنة 1988؟

أليس ريتشارد مورفي؟ فعلق: رفيقه: بل إنه هو.