Advertise here

الواقعية السياسية تفرض نفسها

28 كانون الثاني 2019 09:00:33

بعيداً من خطابات المنابر بالتهديد والوعيد. بعيداً من نقل رسائل سياسية معروفة المصدر والهدف. بعيداً من لغة الشتائم والسباب من قبل أزلام أجهزة استخبارات عاثت فساداً في البلاد. لا بد من قراءة موضوعية للواقع على الساحة اللبنانية، ومن دون استخفاف بعقول الناس ببعض الشعارات الرنانة التي أكل الدهر عليها وشرب.

ما يطلقه البعض من كلام سياسي تهديدي لن يقدم ولن يؤخر في الفرز السياسي لدى كافة الأطراف السياسية في لبنان. وكل فرد في هذا المجتمع له خياراته المقتنع بها والملتزم بها. وإذا كان الواقع السياسي يفرض نفسه على الساحة اللبنانية من حيث حجم القوى، فعلى الجميع تقبّل هذا الواقع وعدم الانجرار وراء تحريض لاستهدافات سياسية معينة، ومن أجل تصفية الحسابات.

الصراع مع النظام السوري في لبنان ليس بجديد، وإذا كان البعض يعيّر رئيس الحزب الرفيق وليد جنبلاط بأنه تحالف مع النظام السوري في فترة الحرب، فعلى هذا البعض أن يدرك تماماً أن قرار الرئيس بنهجه كان يتعارض مع مشاعر القاعدة الجماهيرية والحزبية التي لم تسامح ولم تنسَ اغتيال المعلم الشهيد كمال جنبلاط على يد أجهزة المخابرات لهذا النظام. وإذا كانت القاعدة الشيعية تقاطع ليبيا بالرغم من تغيير نظامها في قضية اختفاء الإمام موسى الصدر، فكيف يطلب من قاعدة جماهيرية واسعة في لبنان أن تتناسى اغتيالات وتصفيات واعتقالات.

وها هي تلك الأجهزة تعود إلى الظهور من خلال أدوات لها تتباهى بانتمائها لما يسمى محور الممانعة، وتحاول العمل أمام كل استحقاق على خلق أجواء تعطيلية وتوتيرية. وإذا كان لدى تلك الأدوات شريحة معينة تلتف حولها، فبالمقابل هنالك شرائح واسعة تخالفها ولا تلتقي معها إطلاقاً.

وبالرغم من المحاولات المتكررة لزرع الفتنة في مناطق الجبل، إلا أن لطائفة الموحدين الدروز عقلاء ومشايخ أتقياء يعتمدون حكمة العقل في فض الخلافات منذ فجر التاريخ ويتلاقون مع الرؤية الثاقبة والحكيمة للرئيس وليد جنبلاط في إخماد أي فتنة في مهدها. 

ويبدو أن النظام السوري لمس إمكانية شغور موقع مشيخة العقل بعد سنتين بسبب السن القانوني الوارد في نظام المجلس المذهبي الدرزي الشرعي والقانوني، فحاول عبر حلفائه إثارة هذا الموضوع للبلبلة وبث سموم الفتنة، لكن فاتهم أنه من غير الوارد ترك مقعد شاغر في انتخابات المجلس المذهبي لشيخ العقل القادم على نسق ترك المقعد النيابي الشاغر في قضاء عاليه عند كل استحقاق، مع العلم أن قرار الرئيس في موضوع المقعد النيابي الشاغر في عاليه كان يتعارض مع رغبة القاعدتين الحزبية والجماهيرية للحزب التي كانت ترغب دائما بإقفال اللائحة.

لن نقول شاء من شاء وأبى من أبى، بل نقول إن الواقع السياسي في منطقة الجبل يجب أن يتقبله الجميع، حيث إن الأكثرية الجماهيرية والشعبية تؤيد نهج الحزب التقدمي الاشتراكي ومواقف رئيسه وليد جنبلاط. وبالتالي فإن هذه الأكثرية ترجّح فوز هذه الكفة عند كل الاستحقاقات. من هنا من غير الوارد التنازل عن مواقع اختارتها القاعدة الناخبة.

إن مبدأ التوافق يتم عبر معرفة كل طرف حجمه الحقيقي، وما كان يحدث في السابق قد تغير كلياً، وإذا كان البعض يفاخر بتحالفات له داخلية وخارجية، عليه أن يدرك تماما أن أكثرية القاعدة الشعبية لا تؤيده ولا ترتاح لدوره داخلياً وخارجياً، وتبقى العبرة لمن اعتبر.