مما لا شك فيه ان خلاصة تجربة سياسية – نضالية طويلة وشائكة خاضها المعلم كمال جنبلاط ورفاقه في اليسار اللبناني والحركة الوطنية، ورؤيتهم لحل المعضلة المتمثلة بأزمة النظام القائمة منذ الإعلان عن دولة لبنان الكبير، تم تجسيدها في البرنامج المرحلي للحركة الوطنية اللبنانية.
وفي مقاربة سريعة بين الواقع الحالي والمراحل السابقة نرى أن الحاجة إلى التغيير، في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تصطدم أساساً بتخلفِ النظام السياسي وعجزهِ بمختلف مؤسساته، عن تشكيل إطار واضح وفعّال لعملية التطور الديموقراطي المطلوب. ومن سخرية القدر بمكان، أن يكون الوضع القائم في لبنان الآن أكثر تعقيداً وأشد سوءاً من تلك المرحلة بأشواط.
الطائفية السياسية وخلل النظام
رأت الحركة الوطنية اللبنانية أن "الطائفية السياسية بما ترسيه من امتيازات متعاكسة مع المصالح الحقيقية للأكثرية الساحقة من الشعب اللبناني هي سمة النظام السياسي المتخلف، ومنها تنبع مختلف مظاهر الخلل الرئيسية التي يعانيها هذا النظام". وأشارت الحركة في برنامجها الى أن "النظام السياسي اللبناني يؤدي وظيفته في حماية الإمتيازات الإقتصادية والإجتماعية المهيمنة، ويسلّط طبقة سياسية عاجزةً عن تقديم الحلول الفعلية للمشكلات الإقتصادية والإجتماعية الناجمة عن تطور لبنان الرأسمالي". لذلك، شدد البرنامج المرحلي للحركة الوطنية على إلغاء الطائفية السياسية من النصوص الدستورية والتشريعية والنظامية ومن الواقع الاجتماعي السياسي، وذلك من أجل "الوصول إلى العلمنة الكاملة للنظام والى إزالة كل أثر للصيغة الطائفية".
الإصلاح وقانون الانتخابات
إعتبر البرنامج المرحلي للحركة الوطنية ان مقدمة الاصلاح السياسي لا تكون الا من خلال التمثيل الشعبي الصحيح وذلك عبر اعتماد قانون جديد للإنتخاب، يتضمن التالي: إلغاء القيد الطائفي، جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة، اعتماد نظام التمثيل النسبي، تخفيض سن الإنتخاب الى 18 عاماً، تحديد سن التقاعد للنواب بـ 64 عاماً، بالاضافة الى عناوين إصلاحية أخرى.
كذلك طرحت الحركة الوطنية في برنامجها العديد من العناوين الاصلاحية المفصلّة، أبرزها:
· وضع تنظيم إداري جديد للدولة أكثر تطابقاً مع الواقع الإجتماعي وإعادة تقسيم المحافظات
· إنشاء مجالس تمثيلية منتخبة في المحافظات والأقضية تتمثل فيها الهيئات والجمعيات والنقابات العمالية والتعاونية والبلدية والثقافية
· إعادة النظر بأوضاع البلديات وتعزيز صلاحياتها واستقلاليتها ووضع قانون جديد للإنتخابات البلدية وفق قاعدة التمثيل النسبي
· إعتماد طريقة الإستفتاء الشعبي المباشر حول بعض المواضيع المهمة بحيث تكون نتيجته ملزمة للمجالس التمثيلية والسلطات التنفيذية
· إعادة تنظـيم وهيكلة الجيـش اللبناني والمؤسسات الامنية
· فصل صفة الوزارة عن النيابة وإسقاط صفة النيابة حكماً عن كل وزير
السلطة القضائية
وأكدت الحركة الوطنية على مبدأ الاستقلال التام للسلطة القضائية عن باقي السلطات، وجعل مجلس القضاء الأعلى المرجع الوحيد لتعيين القضاة، وتخويل المجلس صلاحية اقتراح القوانين والأنظمة الآيلة إلى رفع مستوى القضاء، وإعطائه حق الطعن بدستورية القوانين والأنظمة أمام المحكمة العليا، وحصر صلاحية وزير العدل بأمور محددة.
كذلك دعت في برنامجها الى حصر صلاحية المحاكم العسكرية بالجرائم المرتكبة من العسكريين، وربط القضاء العسكري بالقضاء العدلي وتحديد اختصاصاته وتنظيم مشاركة العسكريين في هيئاته وأجهزته، وحصر عمل المحاكم العرفية والميدانية في حالة الحرب فقط. كما طالبت بإعطاء حق الطعن بدستورية القوانين لكل مواطن، وإعطاء كل مواطن حق إقامة الدعوى أمام المحكمة المختصة بمحاكمة المسؤولين بما في ذلك جريمة الإثراء غير المشروع. بالاضافة الى إصدار تشريع يحدد حالات التوقيف الاحتياطي وحدوده ضماناً للحريات الشخصية وإلغاء مبدأ التوقيف الإحتياطي بالنسبة للصحف والجنح.
الحقوق والحريات العامة
إضافة الى ما تقدم، أكدت الحركة الوطنية في برنامجها المرحلي أهمية تعزيز الحقوق والحريات الديموقراطية العامة، ووضع قانون مدني اختياري للأحوال الشخصية. كذلك، دعت الى إزالة كل أشكال التمييز في معاملة المرأة على جميع الأصعدة، والى وضع قانون عصري للجنسية يكفل إعطاء الجنسية اللبنانية لمستحقيها بمعزلٍ عن أي اعتبار عنصري أو فئوي أو سياسي. كما طالبت بإطلاق حرية تشكيل الأحزاب والنقابات والجمعيات والأندية، وإلغاء القيود التعسفية المفروضة على حرية النشر وخصوصاً لجهة فرض الموافقة المسبقة لأجهزة الأمن على مختلف الإصدارات.
بين الامس واليوم
يُعتبر البرنامج المرحلي للحركة الوطنية اللبنانية حدثاً تاريخياً في الحياة السياسية للبنان، ويكاد يكون أهم الأهم بعد الإستقلال وقبل اتفاق الطائف، الموضوع حالياً في الحجر التنفيذي.
اليوم، وبعد 45 عاماً على إعلان الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية برنامجها للإصلاح الديموقراطي للنظام السياسي، وبعد 43 عاماً على استشهاد المعلم كمال جنبلاط، ما زالت العناوين المطروحة تشكل أساساً لتطوير النظام السياسي ولخروج لبنان من أزماته. والأهم، تلك الحاجة الملحة للإقتداء بالأخلاقيات السياسية التي كان يتميز بها المعلم - ومن عاصروه أيضاً - في الممارسة السياسية المسؤولة والصادقة والشفافة.
إن القوى السياسية المؤمنة بلبنان، من أحزاب وشخصيات وطنية ومجموعات ثورية، مدعوة الى المبادرة لإيجاد القواسم المشتركة، والنضال كل من موقعه من أجل مستقبل أفضل... من أجل وطن تكافؤ الفرص والعدالة الإجتماعية والاقتصاد المنتج... من أجل لبنان الحر الديموقراطي العربي السيد المستقل.