Advertise here

دورة الحياة

26 كانون الثاني 2019 10:00:00 - آخر تحديث: 26 كانون الثاني 2019 21:50:58

إعتقد حُكماء مصر القديمة بوجود دورة كونيّة تكتمل مع مرور أربعة وعشرون ألف سنة، وهذا الإعتقاد ناجم عن دراسة علم الفلك، بحيث يحدث عند اكتمال الدورة ما يشبه "إعادة البناء" فيحصل حدث كوني مُدمّر تمهيداً لبداية دورة جديدة، وخلال هذه الدورة تمرّ حياة البشر بعدّة مراحل، ويعيشون الكثير من الحيَوات، وصولاً إلى الإكتمال "الحكمة".
آمن هؤلاء الحكماء بأنّ الروح تعيش العديد من الحيَوات، وفي نهاية كل حياة تتعلّم حكمة جديدة، حتى تتمكّن في نهاية الدورة الكونيّة من الوصول إلى "الإستنارة" إيّ الحكمة التامّة.

وتمرّ هذه المسيرة بدروب مختلفة من الإحزان والأفراح، والصراعات، والكره والحب، فتتعلم بواسطة مفهوم "المُتناقضات" و "الثُنائيات" التي يقوم عليها كل ما في الكون.

إنطلاقاً من هذه الحِكَم الأزليّة من الممكن مُقاربة حياة الفرد الواحدة بالتاريخ البشري العام، حيث يُمكن مُلاحظة ملامح مرحلة الطفولة في الحضارة العربية التي نحياها مثل العاطفيّة الزائدة- التعلّق – الإنشداد وراء كل جديد... كما نلاحظ حالة الإنتقال إلى المراهقة في الوقت الراهن من تمرّد وثورة ورفض وصراع، ومن ناحية ثانية يمكن تحديد خصائص المراهقة في الحضارة الغربية والإنتباه إلى بوادر الإنتقال للرُشد من خلال البحث عن المبادئ بعد عاصفة الضياع.

لقد عاش البشر فترة من القناعة والرضا القائم على التسليم بقوانين الأقدمين، فأعادوا تقليدها في إطار "كما تربّينا نربّي" وهذه الحالة تُشابه في بُنيانها سِمات الطفولة، حيث يتماهى الطفل لاشعورياً بوالديه ويتشرّب معتقداتهم بكل سرور ويدافع عن صحّتها من دون إدراك فعلي، وفي فترة لاحقة بدأ البشر بالتساؤل والإنقلاب على كل قديم، ووقع الجِدال والصراع وبانت الثورات والتمرّد في كافّة القطاعات الفكرية والسلوكية والنفسية، وهذه كلّها صفات مرحلة المراهقة.

وفي دائرة أصغر، يعيش كل فرد تقلّبات فكريّة ونفسية كثيرة مرتبطة بمراحل نموّه، فما كان ذي أهمية كبيرة في طفولته بات سخيفاً في شبابه، وصار لأهدافه ومتطلّباته أبعاداً أخرى، فيبدأ الفرد بالخروج من شرنقة الأهل ويعيش تجارب، ويُقابل أشخاص ويفرح ويتألّم، ينجح ويفشل، ثمّ تتبلوَر شخصيّته وفكره في القالب الذي رسمته كلّ التجارب التي عاشها منذ لحظة ولادته، ويتّبع نهجاً محدّداً في حياته ويحقّق ذاته الشخصية والإجتماعية، فيصِل في نهاية المطاف إلى سنين كِبَرِه ويبدأ بالتخلّي عمّا كان ذي أهمية في رُشده، فيندم ويفتخر وينتقد مسار حياته، ويحنّ إلى الطفولة الراضية.
وعبر هذه السلسلة المُتتابعة من الحالات تراه توصّل في شيخوخته إلى حكمة مُعيّنة ناجمة عن مُعاشه الوجودي.

ووفقاً لاعتقاد تقمّص الروح، والذي عُرِف في الحضارات القديمة قبل الميلاد، فهذا الفرد "الروح" بعد أن يحيا العديد من الحيَوات يرتدي الحكمة المُطلقة، تلك الحكمة التي عاشتها حضارات وُجِدت منذ ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، ونحن اليوم نطمح إليها ونتطلّع لارتقائها بعد زمن طويل، فهل تُثبِت هذه المُفارقات حقيقة الدورة الكونيّة للزمن؟