Advertise here

استقلالية القضاء في مهبّ العمالة

18 آذار 2020 13:26:45

ما يحصل في الآونة الأخيرة، في الدولة اللبنانية، مخيفٌ أكثر من اجتياح الكورونا بالنسبة إلى الشّعب اللبناني، وذلك في محاولاتٍ، وللأسف ناجحة، لضرب هيبة القضاء واستقلاليته. فكانت إحدى القاضيات التابعات للفريق الحاكم، أوّل من رفعَ سيف النقمة على هيبة القضاء بمعارضتها الشديدة للتشكيلات القضائية، وتلويحها بالاستقالة، كون هذه التشكيلات على ما يبدو لا تخدم الجهة السياسية التي عيّنتها. علماً أنّها كانت قد صرّحت بأنّ لديها ملفّاتٍ متعلقةٍ بالفساد في "الجارور". وهذا ما يُظهر جلياً تقاعس هذه القاضية في عملها، واستنسابيّتها بالتعاطي مع الملفّات، وتسيّيسها للعمل القضائي في أكثر موقف. أمّا وزيرة العدل، والتي يُفترض بها أن تكون تكنوقراط، فقد قامت بردّ التشكيلات القضائية بحججٍ لا تشبه الأعراف الدستورية اللبنانية، أكانت ظاهرية أم باطنية؛ فالفريق الحاكم له سوابق في التطفّل على القضاء، وكتّاب العدل، والدبلوماسيين، وباقي أطياف الدولة.

أمّا المشكلة الأكبر فقد كانت بقرار إخلاء سبيل العميل عامر الفاخوري، آمر معتقل الخيام، وصاحب سوابق في التعذيب والتنكيل بالمقاوِمين والمواطنين. وتناسى القضاء بذلك المواثيق الدولية، والقانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جِنيف الأربعة والتي تُسقط مبدأ التقادُم، ومرور الزمن من أي جريمة تتعلّق بالحرب، وبالتعذيب، وأعمالٍ غير إنسانية وقعت خلالها. وتناسى القضاء كذلك تضحيات ونضالات المقاوِمين. 

وتناسى أنّ القضاء مهنة إنسانية أبعد من النصوص، وأعمق من القوانين، بل هو أحكامٌ ترتقي بالعدالة والمساواة إلى رتبة الضمير الإنساني، والذاكرة الإنسانية الاجتماعية، والتي تمثّلت بمواهب الفاخوري الإجراميّة. وهكذا صارت العمالة في قاموس قضاء العهد القوي وجهةَ نظر.

كيف لا، وتاريخ الفريق السياسي الحاكم مزدحمٌ بأمثال فايز كرم، وميشال سماحة.

وليبقى القضاء العادل المستقل خشبةَ الخلاص الوحيدة في وطنٍ محكومٍ بعهدٍ لا مشكلة إيديولوجية له مع إسرائيل - بدعمٍ من سلاح المقاومة ضدّها، ووسط هذا الانفصام - تترنّح هيبة الدولة، وهيبة القضاء، وتتجّه إلى الزوال بين يدَي من أقسمَ بشرفه على حماية الدولة، ونظامها القضائي، ودستورها.

الآراء الواردة في هذه الصفحة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جريدة الأنباء التي لا تتحمل مسؤولية ما تتضمنه.