Advertise here

العهد" رضخ للضغوط الأميركية بإطلاق سراح العميل عامر الفاخوري ... أين "حزب الله"؟

18 آذار 2020 12:41:00 - آخر تحديث: 05 أيلول 2020 23:15:02

اختصرت صورة بنات العميل عامر إلياس الفاخوري، الثلاث، وهُنَّ يحتفلن تحت العلم الإسرائيلي، بإطلاق سراح والدهن، المشهد المُذِل لما جرى من «وصمة عار» بكف التعقّبات بحقّه، وإسقاط جرائمه ومُمارساته القمعية والتعسّفية ضد الأسرى، خلال توليه المسؤولية في «مُعتقل الخيام»،  وتعامله مع الاحتلال الإسرائيلي، بفضل مرور الزمن العشري.

 

يُثبت ذلك بما لا يدعُ مجالاً للشك، أنّه ما زال عميلاً للعدو الإسرائيلي، وتفتخر عائلته بذلك، ما يدحض كل التأويلات ومُحاولات البحث عن ذرائع ومُبرّرات عن دوره في تعامله مع المُحتل الإسرائيلي، والتي لم تُسقط عنه تهمة العمالة.

 

وأيضاً «صفعة قوية لـ«العهد القوي»، الذي رضخ للضغوطات والتهديدات الأميركية.

 

فغداً سيخرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب مزهوّاً، ليُعلِن تسجيل انتصار، باستعادة «وديعته»، العميل عامر الفاخوري من لبنان، بعدما أُعيقت المُهمّة المُوكلة إليه، إثر توقيفه من قِبل الأمن العام اللبناني، يوم الخميس في 12 أيلول 2019، بُعيد وصوله إلى «مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري الدولي» قبل أيام، حيث سُحِبَ منه جواز سفره الأميركي.

 

من حق الرئيس الأميركي أنْ يُضيف إلى برنامج إنجازاته في معركته الرئاسية الثانية، نجاحه بإعادة مُواطن أميركي، كان في مُهمّة أوكلتها إليه المُخابرات الأميركية في لبنان، وبُمباركة الرئيس ترامب شخصياً، الذي استقبله قبل توجّهه إلى لبنان.

 

ومن حقه أيضاً التأكيد أنّ هذه الاستعادة، كانت ببراءته - قضائياً - من التُهَم التي وُجِّهَتْ إليه!

 

ومن أين هذه الاستعادة، من بلد مُقاوِم هو لبنان، يُصنّف أميركياً في محور المُقاومة والمُمانعة!

 

ومن حق السفيرة الأميركية الجديدة في لبنان دوروثي شيا، التباهي بتحقيق إنجاز هو الأوّل في مُهمّتها الدبلوماسية، بعد تقديم أوراق اعتمادها إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في القصر الرئاسي، حيث لم يقتصر اللقاء على تقديم أوراق الاعتماد الرسمية، بل تكرار مُطالبة لبنان بإطلاق سراح الموقوف الفاخوري، بعدما كانت سلفها السفيرة السابقة إليزابت ريتشارد قد أَخفقت بإصحابه قبل مُغادرتها لبنان.

 

صفعة قويّة لـ«العهد القوي»

 

هذا على الجانب الأميركي، أما في الجانب اللبناني، فكيف يُمكن أنْ يُفسِّر المسؤولون ذلك؟

 

ما جرى ليس إلا صفعة قويّة لـ«العهد القوي»، بأنْ تتم تبرئة العميل الفاخوري عبر سقوط زمني على جرائمه بحق المُناضلين الأسرى خلال مسؤوليته في «مُعتقل الخيام».

 

وإنّ ما جرى ليس إلا استجابة لرغبة بل مُطالبة وضغوطات أميركية، مُرتبطة بالتهديد والوعيد من عواقب الأمور، أُطلِقَتْ منذ توقيف العميل الفاخوري بعد وصوله إلى لبنان، والذي بلغ حدّ فرض عقوبات على كل مَنْ ساهم في هذا التوقيف، وصولاً إلى العواقب الوخيمة في حال وفاة العميل الفاخوري داخل السجون اللبنانية، وذلك بموجب المادة 703 من قانون وزارة الخارجية الأميركية للعمليات الخارجية، بتهمة الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان.

 

وقد نقل ذلك سفير لبنان في واشنطن غابي عيسى إلى المسؤولين اللبنانيين مِراراً، وأبلغه إلى وزير الخارجية السابق جبران باسيل، وكرّره برسالة إلى وزارة الخارجية خلال شهر شباط الماضي، صُنّفت بأنّها «خطيرة وسريّة».

 

بين ما يتردّد عن عقوبات أميركية، ووقف المُساعدات التي يُلوّح بها المسؤولون الأميركيون بين الحين والآخر، والتي لا تُغني ولا تُسمِن من جوع.

 

أيضاً فرض عقوبات على بعض الشخصيات، وهو ما خشيه هذا البعض، فأخذ يبحث عن مخارج من ورطة توقيف مواطن أميركي، مُوكلة إليه مُهمّة مُحدّدة، مُتناسياً أنّ ارتكابه لجرائم الخيانة والتعامل ومُمارسة التعذيب والقتل، كانت وهو يحمل الجنسية اللبنانية - أي أنّه يُحاكَم كمواطن لبناني.

 

لكن الغاية الأميركية تلاقت مع الرغبة اللبنانية لمَنْ طمأن الفاخوري إلى أنّ أموره في لبنان ستكون سالكة دون عوائق، ما شجّعه على العودة إثر تبييض ملفّه بسحب بلاغ الاستقصاء رقم 303، ضمن 51 إسماً بتاريخ 10 نيسان 2017.

 

تولّى مُهمّة انتظار العميل الفاخوري، في «مطار رفيق الشهيد رفيق الحريري الدولي» رئيس فرع التحقيق في مُخابرات الجيش اللبناني في الجنوب العميد الركن إلياس يوسف، تحت ذريعة صلة القربى.

 

بين التوقيف والإعلان عن كف التعقّبات بحق العميل الفاخوري 6 أشهر، لم يتم فيها استجوابه ولا في ملف الدعاوى التي يُلاحِق بها، سواء في «المحكمة العسكرية الدائمة» في بيروت، أو في النبطية، أو أمام قاضي التحقيق في بيروت بلال حلاوي، بل بقي نزيل «مُستشفى أوتيل ديو»، قبل نقله إلى «مُستشفى سيّدة الجبل»، الذي غادره ليل أمس الأوّل، بعد إعلان وقف التعقّبات بحقّه.

 

مردُّ ذلك حتى لا يُصار إلى إصدار أي مُذكّرة توقيف بحقّه تحول دون إطلاق سراحه.

 

وقد نُقِلَ إلى السفارة الأميركية في عوكر، التي تتمتّع بحصانة أرض أميركية، وسواء جرى نقله بطائرة مروحية إلى قبرص، ومنها إلى الولايات المتحدة، أو بقي في السفارة، فهو تحت الرعاية الأميركية.

 

وفي ملفات المحاكم الآن آلاف الدعاوى، التي لم يتم الفصل بها حتى الآن، ومنها لموقوفين مُتعدّدين، لكن اللافت تأخّر الفصل في ملفات تتعلّق بـ«الموقوفين الإسلاميين» منذ سنوات عدّة، لا تصل فيها الأحكام - إذا ما صدرت - إلى المُدّة التي قضاها هؤلاء الموقوفين في السجون! ما يطرح علامات استفهام حول استنسابية المُحاكمات بين الموقوفين، ينطبق عليهم المثل القائل: «ناس بسمنة وناس بزيت».

 

انصياع لرغبة وإملاءات الأميركي

 

لا شك في أنّ ما جرى صفقة، لا تبدو ملامحها لجهة ما هي المُكتسبات اللبنانية فيها، لكنّها انصياعاً لرغبة وإملاءات السيّد الأميركي، الذي اعتاد على سياسة الاستعلاء، مُقابل وعود لمَنْ تدغدغ مُخيّلته أحلام رئاسية وقيادية، وهو الذي يرى في الجميع أدوات يستخدم كلاً منها في المكان والزمان المُناسب، لأنّ مصلحته هي الأساس، وما جرى مع الكثيرين ممَّنْ كانوا يرون في الأميركي سنداً داعماً خير مثال!

 

لكن من مُخاطر الاستمرار بالتعاطي مع ملف التعامل مع عملاء العدو الإسرائيلي بتخفيضات فيه إدانة للجميع: سياسيين ومسؤولين، نوّاباً، وأحزاباً، وقضاء وهيئات، فما الذي حال دون تعديل القانون لجهة الحسم بإصدار حكم الإعدام والإسراع بتنفيذه لمَنْ خان وطنه وأهله دون ارتباط ذلك بفترة زمنية، بدلاً من البحث عن أسباب تخفيفية، وهي مُهمّة المجلس النيابي، التي لم يقم بها!

 

لكن الخطورة أنْ يكون ما جرى مُقدّمة لإثارة ملف عودة مَنْ بَقِيَ من العملاء الفارّين مع الاحتلال الإسرائيلي، إلى داخل الأراضي الفلسطينية المُحتلّة، إثر اندحاره من جنوب لبنان في 25 أيّار 2000، والتي كانت عودة الفاخوري في إطار إنهاء ملفّات هؤلاء مع الحديث عن شمولها في «قانون العفو»، الذي لم يصدر حتى الآن!

 

هذا علماً بأنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كان قد طرح يوم كان رئيساً لـ»تكتّل التغيير والإصلاح»، قبل أنْ يُنتخب رئيساً للجمهورية، مُعالجة أوضاع العائلات اللبنانية داخل الأراضي الفلسطينية المُحتلّة، وهم من «ميليشيا العميل أنطوان لحد»، تحت عنوان: «اللاجئون اللبنانيين إلى إسرائيل»!.

 

فهل ردّ وزيرة العدل ماري كلود نجم للتشكيلات القضائية مُرتبط بإبقاء مُفوّض الحكومة لدى «المحكمة العسكرية الدائمة» في بيروت القاضي بيتر جرمانوس لإتمام هذه المهمة، بعدما أحالته هيئة التفتيش القضائي أمام المجلس التأديبي للقُضاة، فقدّم استقالته، حيث تردّد بأنه تلقى وعداً بتعيينه سفيراً للبنان في الخارج.

 

كان من المُقرّر في ضوء التشكيلات أنْ يُعيّن بدلاً منه القاضي كلود غانم، وقد أنجز القاضي جرمانوس المطلوب بأنّه لم يرد الدفوع الشكلية، التي تقدّم بها وكلاء الدفاع عن الموقوف الفاخوري، خلافاً لمّا هو مُتوقّع من مُمثّل الادعاء في هكذا ملفات حسّاسة!

 

وإنْ جاءت خُطوة المُدّعي العام التمييزي في لبنان القاضي غسّان عويدات بالطلب من المحامي العام التمييزي القاضي غسّان الخوري تمييز الحكم، حيث قدّم الطلب إلى «محكمة التمييز العسكرية»، ما يعني إعادة مُحاكمة العميل فاخوري مُجدّداً وإدانته بالجرائم المُسندة إليه، لكن ذلك لم يَحل دون إطلاق سراح العميل الفاخوري.

 

وكذلك قرار قاضي الأمور المُستعجلة في النبطية أحمد مزهر بمنع السفر عن العميل الفاخوري، بعدما تقدّم المحاميان حسن بزي وهيثم عزّو بوكالتهما عن الأسرى المُحرّرين سهى بشارة وجهاد عواضة ورفاقهما.

 

موقف «حزب الله»!

 

فما هو موقف «حزب الله» من كل ما جرى؟

 

إنْ كان يدري عن الصفقة، فإنّ مسايرته للعهد، وشريكه «التيار الوطني الحر»، تُعتبر خسارة من رصيده لمُقاومين قدّموا التضحيات في مُواجهة العدو الإسرائيلي، على الرغم من مُحاولات «التيار البرتقالي» الحديث الدائم عن تأمين الغطاء المسيحي للحزب في الكثير من المحطّات، لكن مُساهمة الحزب بإيصال العماد عون إلى سدّة الرئاسة بتسوية شارك فيها رئيس «تيار المُستقبل» الرئيس سعد الحريري كافية.

 

وإنْ كان لا يدري، فالمُصيبة أعظم، كيف يتم تمرير ملف بهذا الحجم والأهمية دون وضعه في أجوائه.

 

أيٌّ من الاحتمالات بحاجة إلى إجابات واضحة وليس تفسيرات، لأنّ ما جرى يُعتبر تسجيل نقطة أميركية في خانة «حزب الله»، الذي لم يجب سابقاً على المُطالبات المُتكرّرة للوزير باسيل بمُساعدته للإفراج عن العميل الفاخوري بناء للطلب الأميركي، وماذا عن حقيقة المُقايضة في هذا الملف مع إطلاق الولايات المُتّحدة الأميركية سراح رجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين، الذي أوقفته بتهمة غسل أموال لصالح «حزب الله»؟

 

في ضوء ما جرى لا يُمكن لأحد بعد أنْ يضع «فيتوات» ضد أي طرف أو موقوف أو فار ارتكب جُرماً، حيث بات يُخشى أنْ تكون دماء الشهداء الذين ارتقوا في مُواجهة العدو الإسرائيلي والإرهاب، عُرضة في بورصة التسويات السياسية، وتكون الذرائع لإصدار «قانون العفو العام»، عندها تكون التضحيات التي بُذِلَتْ فداءً للبنان قد ذهبت هباءً، وما زالت دموع الأمهات والزوجات والأبناء تُذرف من المقل، والحزن والألم على فراق الأحبّة ممَّنْ وُجِدَتْ جثامينهم أو استُعيدت أو ما زالت مجهولة ومخفية!