Advertise here

زولفي يوكسل الفلسطيني

16 آذار 2020 13:22:18

تحت عنوان "خطأ التشوّف" قال كمال جنبلاط: " يخطئ بعض الحكّام في تصوّرهم أن إسرائيل - وهي وجهٌ لوجوه "الوحش"، من جيلٍ إلى جيل في كينونة المادة، والجاه، والمجد - يخطئ هؤلاء الحكّام إذا واجهوا إسرائيل بغير منطق العنف والمال. ويخطئ العرب أيضاً إذا انتظروا الفرج والسلام من "الوحش" الآخر الأمريكي، المرتكز إلى سياسة غلبة العنف والمال. فهو أيضاً لا يفهم لغة الأخلاق والعمل والإنسانية" (الأنباء: 11/23/1973)

لطالما كانت القضية الفلسطينية الشغل الشاغل للشهيد الحي، كمال جنبلاط، منذ انبثاقها عام 1947 وتحوّلها إلى نكبة عام 1948، وصولاً إلى تاريخ استشهاده سنة 1977. ويُكمل جنبلاط الابن حزمَ الكوفية الفلسطينية، كوفية الفلاح الحرّ، ورمز القومية الفلسطينية، على عنقه وعنق نجلِه، النائب تيمور جنبلاط تعبيرا،ً عن الرفض القاطع لصفقة القرن التي تدّعي السلام. السلام المزيف! فما أدراكم ما السلام؟ شتّان بين سلامٍ يقضي بجعل القدس مدينة موحّدة تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة، وبذلك تكون "دولةً فلسطينيةً رمزية"، وبين سلامٍ يقضي بفرض القدس عاصمةً لفلسطين. نعم فلسطين فقط! فلسطين الرمز والقضية، رمز الكفاح والقضية الثورية. ذاك سلامٌ قُلِّد بوسام غضبٍ واستحقار، وهذا سلامٌ قُلِّد بوسام لينين، المخصّص للسلام، للمعلّم الشهيد من قِبل "بلوخين"، اللواء السوفييتي، في عام 1972، في قصر الأونيسكو في بيروت. وهو أحد الأوسمة التي كانت تمنحها حكومة الاتحاد السوفييتي، والذي أنشأته اللجنة التنفيذية المركزية في 6 نيسان 1930، وسُمّي نسبة إلى فلاديمير لينين، قائد ثورة أكتوبر.

كثيراً ما أيد المعلّم القضية العادلة للشعب الفلسطيني، وقد ترجم ذلك قولاً وفعلاً عبر تأليف جبهةٍ لمساندة المقاومة الفلسطينية، وانتُخب بالإجماع عام 1973، أميناً عاماً للجبهة العربية المشارِكة في الثورة الفلسطينية، ممّا جعله تحت أعين "الموساد" الإسرائيلي على الدوام.
علاقةٌ وطيدة تحالفية ربطت الزعيم الجنبلاطي بأمين عام الجبهة، الشهيد القائد أبو العباس. وكذلك مع الرئيس، الشهيد الرمز ياسر عرفات، وحكيم الثورة جورج حبش، وكانت برهاناً على الالتحام العميق بين الشعبَين المناضلَين.

شعارٌ اقتدى به معلّمنا على الدوام: "ديموقراطية منظّمة ومسؤولة، لا ديكتاتورية، ولا فوضى". فبحسب جنبلاط لا يمكن للقضية الفلسطينية أن تنزوي وحدها في خندق العدو الصهيوني، بل هي جزءٌ لا يتجزأ من حركة التحرّر العربي. وتحت عنوان، "محك الإخلاص القومي هو تحقيق الوحدة"، يفسّر المعلّم أهمية التكاتف بغية الوصول إلى الهدف الأسمى بتحرير فلسطين المغتصبة، فلسطين الأرض والإنسان والهوية. ويؤكّد في هذا المحور على وجوب إعطاء الشعوب حقّها في الرأي، وفي التمثيل، وفي إنشاء الأحزاب، ومن ضمن هذه الشعوب الفلسطينيين بالطبع. فحقّهم في الوجود المبنّي على العدل والكرامة هو حتماً أمرٌ مقدّس.
 
هي صفحات مضيئة في تاريخ النضال، وفاءً للشهيد كمال بك جنبلاط، أو "زولفي يوكسل"، الاسم الحركي السرّي للمعلم في مرحلة النضال ضد المستعمرين. هذا غيضٌ من فيض في حقبة المقاومة، ومن الصحوة الفكرية الماردة، وأعوامٌ من الكفاح تكلّلت بترقية المعلم من الدنيا إلى الحياة الأبدية.
فمعراج الموت يكمن في التطوّر والبقاء، ولأجل ذلك فشلت الرصاصة الفارغة فشلاً ذريعاً في إنهاء حياة المفكّر والفيلسوف. وأضحى تاريخ 16 اذار 1977، يوم ولادةٍ وإشراق، لا تاريخ وفاة. فالشهيد يحيى يوم مماته. وتلك هي الحياة الأبدية التي انتصرنا بها، وتلك هي الطريق في حياة الشعوب إذا أرادت الحياة. ووثّق المعلّم هذه الفكرة بقولٍ قيّم له: "وإنما وُجدنا، أساساً، لكي نحيا لا لكي نموت. وإنما الموت فكرةٌ لا أكثر، فهل تستطيع الروح أن تموت!"

عرفانك معلّمي لا يمكن إيفاؤه. باستشهادك المقدّس عمّدت ثورة الحياة بالدماء. تركتَ لنا إرثاً سياسياً تاريخياً، وصومعةً روحية، ونبراساً من المعرفة لنقتدي به. منكَ نتعلّم يا "معلّم"، وهذا هو اللقب الذي جلستَ متربعاً على عرشه. نحتاجك دائماً وأبداً في زمن التصحّر الفكري والإنساني. نحتاجك رئيساً للبلاد، ومنقذاً للشعوب.

وها نحن اليوم، وفي الذكرى التي ننحني لها بخشوع، نستذكر ما قاله يوماً الشهيد عرفات مخاطباً كمال بك:
"فباسم هذه البنادق، وباسم هذا الشعب اللبناني البطل، وهذا الشعب الفلسطيني البطل، وباسم هذه الأمة العربية المجيدة، نحن معاً، وسوياً، وجنباً إلى جنب، حتى النصر...!"