Advertise here

مصارف مهددة بالإقفال... وجه لبنان المالي تغيّر

12 آذار 2020 11:14:00 - آخر تحديث: 12 آذار 2020 12:46:10

"الاتفاق" الذي عُقد بين المصارف ومدعي عام التمييز، القاضي غسان عويدات، والذي هو عبارة عن تشريع وقوننة الإجراءات التي تتخذها المصارف، لكن بصيغة تجميلية، من شأنه أن يريح المودعين نسبياً، لكنه سيؤدي على المدى البعيد إلى حصر تسليم الودائع بالليرة اللبنانية، طالما أنه تم تحرير السقف المسموح سحبه بالليرة.

المعنى الأعمق لهذه الإجراءات هو أن وجه لبنان المالي والاقتصادي قد تغيّر كلياً، وكل الضغط الذي مورس على المصارف، وبالرغم من معارضة آلية عمل النظام المصرفي، يهدف إلى فرض سطوةٍ على هذا القطاع، والسيطرة عليه.
 

الأزمة المالية، والإجراءات المتخذة، سيؤديان حتماً في الفترة المقبلة إلى إقفال العديد من المصارف التي ستعلن إفلاسها، وبالتالي ستحصل عمليات دمج، وهذه العمليات ستخدم مصارف كبرى أيضاً، مع تغيير في آلية العمل.، لا سيّما وأن مصداقية القطاع المصرفي قد ضُربت لدى اللبنانيين والأجانب، ولم تعُد هناك ثقة بالقطاع بنتيجة ما حصل. وهذا ما تعزّزه المشاورات الحكومية حول اتّخاذ قرارٍ باقتطاع جزءٍ من الودائع التي تبلغ سقفاً معيناً، مقابل أن يحصل المودع الذي تمّ الاقتطاع من حسابه على أسهم ملكية في المصرف مثلاً، وبعد تغيّر الأحوال تتم إعادة الأموال للمودعين مقابل استعادة الأسهم.

الأزمة بحسب المعطيات تحتاج إلى ثلاث سنوات بالحد الأدنى لتبدأ فرص التعافي منها، وذلك في حال تم العمل جدياً على معالجتها. ولكن لا تبدو الأجواء حتى الآن مشجعة، لا سيّما وأن آلية عمل الحكومة، ومن هم وراءها، تشير إلى اقتصار الاهتمام لديهم على تحميل المسؤولية للآخرين، بدلاً من الشروع في وضع خطةٍ جدّية وسريعة لوقف الانهيار.


والأخطر في ما يجري، هو أن هذا النهج السياسي الذي يعتمده العهد، لا يزال يرتكز على ثلاث نقاطٍ أساسية تتكشف يوماً بعد آخر، وفق معادلةٍ طُرحت بعيد إنجاز التسوية الرئاسية، ووصول ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية؛ فكان هناك من يسوق لوجهة نظر استعادة الصلاحيات، والتي يجب أن تكون من خلال السيطرة على الأمن والعسكر، والقضاء، والمال؛ وبالسيطرة على هذه المفاصل الثلاثة، يمكن السيطرة على البلد ككل من قِبل العهد. وهذا ما عمل عون وفريقه على تحقيقه، ويستمرون فيه، وكأن لا ثورة اندلعت، ولا ناس انتفضت وانفجرت.
 

يتجلى ذلك في رد التشكيلات القضائية، وعدم توقيعها، لأنها لم تتوافق مع مصلحة رئيس الجمهورية ومتطلباته فارتأت وزيرة العدل عدم التوقيع على التشكيلات القضائية، وذلك في إشارة سلبية جديدة على المسار المتبع، والذي يضرب كل الكلام عن استقلالية القضاء. كما يتجلى ذلك في نفس العقلية المستحكمة والمستأثرة بملف الكهرباء الذي يعتبر المدخل الأول والأساسي للإصلاح. وينفضح المسار أكثر في طريقة التعاطي مع المصارف من خلال الضغط عليها، وعلى حاكم مصرف لبنان الذي لا يترك عون وفريقه فرصةً إلا ويطرحون فيها مسألة تعيين حاكمٍ جديد.

 كل هذه الإجراءات لن تؤدي إلّا لمزيدٍ من الأزمات والانقسامات التي ستزيد تعميق الأزمة اللبنانية.