Advertise here

أورام في رؤوس ساخنة

10 آذار 2020 11:32:00 - آخر تحديث: 21 تموز 2020 12:25:28

طُرح الموضوع، لكن دون نقاش. صدر القرار، ولكن دون اعتراض. كُتِبت الإملاءات بشكل واضح، وكُلّفوا بتلاوتها، لكن دون ارتباك. النبرة عاليةٌ وبُشرى التأميم لم تلقَ من الجماهير الحاضرة الحماس والتصفيق كما لقيته أيام ناصر العام 56. لكن التيار، والحزب، ومحور الممانعة، في ارتياح. والخطيب يزفّ للعالم بشرى إفلاس لبنان والشعب بين مطرقة الجوع وسندان  الكورونا.

منذ أن أُعلن لبنان الكبير في العام 1920، ورغم كل الصراعات والحروب، لم يكن هناك خوفٌ على الكيان اللبناني، وعلى وحدته، وعلى نظامه المتميّز بالاقتصاد الحر، كما هو اليوم، حيث أن ما يجري يشكّل تهديداً للكيان اللبناني بكل ما في الكلمة من معنى. فالنظام اللبناني بكافة أجهزته يعيش حالةً من التبعية على كل الأصعدة والمقاييس. وهذا يتضح من تغييب الإرادة الشعبية الوطنية الحقيقية عن مراكز القرار، بحيث أن من يصنع القرار، ويحدّد المصير، ويوّجه البوصلة جهات إقليمية بأدواتٍ لبنانية لا تراعي، عند مصالحها، مصلحة الشعب اللبناني ووحدته وكيانه واقتصاده.

لقد غاب الإصلاح ومحاربة الفساد، وغاب رغيف الخبز والكهرباء عن مقررات الحكم، وحضر بدلاً منها قرار متسرّعٌ لا يستند إلى أيّة أسسٍ، أو أعراف، أو خططٍ، تتّبع من أجل التوصل إلى حل الأزمة المالية والمتمثلة باستحقاق سندات "اليوروبوند" التي تشكل دَيناً  على الدولة اللبنانية.

فلم يؤخذ بالاستشارة التي قدمتها مؤسّسة "ميريل لينش"، ووكالة "فيتش"، المتخصصتين في إدارة ديون الدول، وفي إعطاء الحلول لها عند التعثر. فجاء قرار الحكومة خطاباً سياسياً بامتياز تمّت صياغته بما يتلاءم ومصلحة المحور الممانع.

وكنا في لبنان بغنى عن ذلك لو أنّ قرارنا حر. فلبنان كأي بلد يمرّ في أزمة اقتصادية، وعليه ديون كان يستطيع محاورة الدائن، وجدولة الديون، بما يتناسب ومصالحه الاقتصادية البحتة بعيداً عن سياسة المحاور وتبعاتها المدمرة.

كان يستطيع أن يفرمل عملية الهدر والفساد المستشرية في جميع القطاعات الإنتاجية في الدولة، من الكهرباء، إلى الجمارك، إلى الأملاك البحرية وغيرها، ويقوم بعملية ضبط الإيرادات بشكلٍ متوازن، ويسعى إلى تحسين القطاع الإنتاجي بحيث يتحول اقتصاده، رويداً رويداً، من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الإنتاجي، فيزيد من كمية صادراته، ويخفّض من وارداته فتدور العجلة الاقتصادية باتجاه النمو، ويتوقف العجز.

كانت تستطيع الحكومة أن تستند إلى تاريخ وسمعة لبنان المالية الجيّدة التي تميّز بها دولياً، والتى تمثّلت بالملاءة، وبالتزامه تسديد ديون والتزماته المالية في مواعيد استحقاقها، وأن تدخل في عملية تفاوض مع الدائنين لجدولة دينها، ولتخفيضه وفق الأسس والحلول المتبعة دولياً في الحالات المشابهة، بدلاً من التهجّم على من كانوا صانعين لهذا التاريخ، وهذة السمعة، بقصد إرضاء العهد وحلفائه.

أما أن نرفض التسديد بقرار سياسي، دون إجراء عملية تفاوض مع الدائنين فإن ذلك سيجعل من جميع الديون مستحقة بالكامل، وهنا الكارثة، خصوصاً مع عدم اتخاذ الحكومة لأية خطوات إصلاحية على مستوى الإدارة والاقتصاد.

إن الأنظمة التي اعتمدت نظام التأميم، أو التي اختلقت ملفات بوليسية جاهزة  للضغط على المؤسّسات الاقتصادية المحلية لحملها على إفراغ ما في جعبتها من أموال لصالح تسديد الديون، قد وقعت في كوارث اقتصادية انهكتها لعقودٍ من الزمن، وأفلست شعوبها وقادتها إلى المجاعة.

فالاقتصاد عبارة عن خطة مدروسة تساهم في نمو وتطور الدول والمجتمعات، وهو أرقام وتصنيف لا يمكن للرؤوس التي أصابها الورم، والتي أصبحت ساخنة أن تقودنا إلى الحلول الاقتصادية المنتجة، خصوصاً إذا كانت قراراتها سياسية نابعة من إرادةٍ إقليمية.

 

الآراء الواردة في هذه الصفحة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جريدة "الأنباء" التي لا تتحمل مسؤولية ما تتضمنه.