Advertise here

لبنان فيه آخرون!

10 آذار 2020 10:35:00 - آخر تحديث: 10 آذار 2020 10:36:14

لا شك في أن الأزمة المالية الحادة التي يمر بها لبنان تتصدر الأولويات بالنسبة للسلطة السياسية أو للمواطن العادي الذي بات يرزح تحت عبء تأمين قوته اليومي. هذه الحقيقة تجعل كل جهد أو انتباه مشدوداً بالكامل نحوها مأسوراً تارةً بالخوف، وتارة أخرى بأمل إيجاد الحلول، هذا قبل ظهور وباء كورونا وانتشاره، فما بالك بعده بما أضاف من ثقل إضافي على السلطة والمواطن سواء بسواء!
 
إن هذا الواقع في لبنان وبرغم أولويات المواطن المعيشية والصحية الآن، لا يجب أن يصرف الانتباه كلّياً عمّا طُرح من قبل البعض في خلال أقل من شهر وفي خضم الأزمة التي نمر بها والتساؤلات المشروعة والممكنة، لمَا لهذه الطروحات من خلفيات سياسية وأهداف، وبالتالي تأثيرات، على مستقبل لبنان السياسي وصيغة نظامه السياسي.
 
أولاً: ما تردد مراراً ونُقل تكراراً عن "سعي مستمر لبناء الجمهورية الثالثة" من دون محددات واضحة لماهية هذه الجمهورية، وما إذا كان المقصود "تطوير" الصيغة القائمة أو "إصلاحها" أو "قلبها" باتجاه صيغة جديدة، مع ما يحمل ذلك من مخاطر ومغامرات.
 
ثانياً: الإعلان الواضح في كلمة رسمية خلال جلسة الثقة عن الدعوة إلى ما يتجاوز اللامركزية الإدارية إلى "اللامركزية المالية"، مع ما يعني ذلك من "إستقلال" أو "إنفصال" او "تقسيم" للمناطق اللبنانية عن بعضها وبالنتيجة ضرب وحدة لبنان بفعل أن العملة الوطنية لأي دولة هي واحدة من عوامل وحدة الوطن.

ثالثاً: إعلان رئيس حكومة لبنان عن "عجز الدولة" والذي هو واقع الحال بكل أسف، إلا أنه يتبادر للذهن وإن من باب حشرية النقاش تساؤلات ما إذا كان هذا الإعلان هو فقط للتنصل من المسؤولية ورميها على آخرين، أو أنه يضمر توجهاً ما في سياقٍ ما ينسجم مع توجهات لدى البعض لقيام نظام مختلف؟ من دون إغفال - في هذا الإطار - الرسالة التي وُجهت إلى المصارف وبالتالي للنظام الاقتصادي عبر قرار المدعي العالم المالي.

رابعاً: وهو الأهم ما قالته السفيرة الأميركية عقب الزيارة الوداعية لرئيس الجمهورية، إذ كانت صريحة في تعبيرها أن "الجميع يدرك أن النظام في العقود القليلة الماضية لم يكن يعمل، وبالتالي هذه فرصة تاريخية للشعب اللبناني لقلب الصفحة". إن هذا الكلام في توقيته والمكان الذي قيل فيه مهم ولافت ويحمل دلالات كثيرة "نظام لا يعمل.... وقلب الصفحة"!! فهل بات لبنان أمام احتمال تغيير جذري في بنية نظامه السياسي؟ وأي صيغة لأي نظام؟؟
 
وما يلفت أيضاً في هذا السياق أصوات بعض أصحاب الرأي والفكر التي ظهرت مؤخراً عبر وسائل الإعلام متحدثة عن ضرورة تغيير الصيغة القائمة التي فشلت، معيدةً الكلام عن الفيدرالية و التعددية الحضارية في لبنان وما الى ذلك من طروحات كانت شكلت عنواناً لصراع كبير في السابق.

وبإستثناء إشارات رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من باب التحذير من طرح اللامركزية المالية، كان صمت مطبق على ضفتي الخصوم والأصدقاء لأصحاب هذه الطروحات، كما على جبهة الحراك المفترض أن يكون الأكثر تفاعلًا الآن مع أي طرح كونه العامل الجديد وصاحب طرح "التغيير" أيضاً، من دون فهم حقيقة هذا الصمت وما إذا كانت الذريعة أن الأولويات في مكان آخر، لكن السؤال الأهم والمشروع أيضاً: هل عادت نظرية حلف الأقليات لتطل من جديد مرتكزة على توقعات صياغة جديدة للمنطقة برمتها؟

في المحصلة فإن ما يطرح في هذا الإطار يعيد إلى الأذهان ما أثبتته التجربة اللبنانية، بأن أي تغيير في بنية نظامه خصوصاً إذا كانت الطروحات غير صريحة بالكامل لكنها مفهومة الأهداف وما يمكن أن تحمل من أحلام أو أوهام، لا بد أن تضع من جديد هواجس مكونات لبنان على صفيح القلق إذا لم يكن الرعب من المستقبل، ما يستدعي التنبه باكرًا ودائمًا من قبل أي مجموعة او فريق أن لبنان فيه آخرين.

(*) أمين السر العام في الحزب التقدمي الإشتراكي