Advertise here

في ذكرى استشهادك بك نهتدي وبك نقتدي

10 آذار 2020 08:00:00

حين نستذكر القائد والمعلم الشهيد كمال جنبلاط، نستذكر مسيرة مفعمة بالعطاء اللامتناهي. نستذكره فيلسوفاً، حكيماً، عارفاً، مختزلاً أبهى مراحل ما مرّ به التاريخ الحديث. في ذكرى استشهادك نستذكرك رجلاً من طراز آخر. نستذكر اول ما نستذكر على سبيل المثال الحركة الوطنية اللبنانية. حركة احببنا ام لم نحب هي فكر ووعي لقائد قلَّ نظيره. حركة لم تولد من العدم، ولكنها ثمرة مسيرة نضالية لها اصولها ومرتكزاتها، سيما وان لها طابعاً جماهيرياً، وطنياً، تقدمياً، وديمقراطياً. بهذه الكلمات نستشهد اليوم في ذكرى استشهادك. هذه الحركة التي لم تكن لولا فهمه لأزمات لبنان التاريخية، وفي مقدّمها الازمات الاجتماعية الحادّة، وهذه الطائفية التي كادت تذهب بمقوماته ومكوناته، إضافة الى فقدان الوطنية الحقّة، وتنكر البعض يومذاك لمحيطه القومي. قائد تجاوز حدود الوطن بهدف الوصول الى ما يوحِّد العالم، على الاقل ما يحقق جزءاً من التوحد، انسانياً، وكونياً، تحقيقاً للعدالة، والحرية، والمساواة في أرقى معانيها، فكان ان قدّم كل ما يملك من رؤى وافكار تثبيتاً لقيم التسامح، والمحبة ، والصداقة بين الشعوب. وها نحن اليوم، نذكَّر بمعاني هذه الذكرى الأليمة. ذكرى تحمل في طياتها ومضامينها افكاراً عجز عن فهمها وهضمها مفكّرون، وفلاسفة، وباحثون، وجهابذة في جميع الحقول والميادين.

فعندما تهب الجماهير وفاءً لذكراه، تهب قناعة منها بأنه ضمير الأمة، وبأن المرحلة -كما يشير المعلم–  تتطلب اكثر من اي وقت مضى، تبعات كبيرة، بحجم المرحلة، سيما وانه كلما تزداد المرحلة صعوبة، تزداد معها هذه التبعات، تصدياً لحالات التخلف، وما يستتبعها من مواجهات اكثر تعقيداً قد تطال القضية والمصير.

وعندما نتذكره، نتذكر ما اودعه في النفوس من ثقة، ومبادئ، وافكار جوهرية ثاتبة ثبوت الدهر، واستمرار الزمان. فما تركه لنا مغروس في خَلَد الناس، وفي خَلَد المناضلين على مساحة الوطن كل الوطن. ومآثره شاهدة على ما خلّفه وراءه من فلسفة، وفكر، وثقافة، ونورانية كانت ولا تزال السلاح الأمضى لكل الشعوب المقهورة، والمنتفضة بوجه الظلم والعسف الاجتماعيين.. فعلى الجميع ان يدركوا ان هذا القائد لم يغِب، ولم يُنسَ. هو ساكن في القلوب، في قلب كل مؤمن، وفي قلب كل مثقّف وثائر، وسياسي يتلهّف قيامة لوطن، وبناء لإنسان. المعلم القائد يعيدنا في كل لحظة، وفي كل مناسبة ماضياً، كما اليوم الى القضايا الوطنية الكبرى، الى القضايا الاجتماعية والثقافية، والى قضية الانسان في كل مكان. كان ولا يزال يهدّئ روعنا في حضوره الدائم بيننا، وفي دنيا العرب. والتهدئة عنده ليست عابرة او عرضية، ولكنها فعل ايمان وعمل بحتمية الانتصار ولو بعد حين.. إنها تهدئ الذين اسرجوا متاعبهم، والذين ليس على صدورهم قميص. فما اخاف السفاحين، امتداد افكاره، وحسن قيادته، وثاقب نظره. المعلم القائد سيبقى يخيف هؤلاء طالما ان فكره باقٍ الى ما لا نهاية. إن ما اسسه وانجزه، وفي مقدم الانجازات هذه تأسيسه للحركة الوطنية، حركة ليست بعابرة، ولم تولد لتنطقئ، لأن ما اسسه المعلم ثابتة من ثوابت فكره ونضاله، لن يكون بمقدور لا لغابر الايام ولا لقادمها محوه او تجاوزه، باعتبار ان كل ما كان يؤمن به، حركة تغييرية قيامة لمجتمع جديد تسوده الطمأنينة والعدالة. هذا المعلم الذي آمنت به الناس، والذي رفع الفكر والقضية الى مصاف الانسانية والكونية، فكان ان اقتدى واهتدى به شرفاء وكرماء، فحملوا فكره تكملة للرسالة. 

في ذكرى استشهادك نستذكرك مشعالاً، ومصباحاً، حاملاً هموم شعبك، وفاء واخلاصاً على مذبح القضايا الوطنية الكبرى، متابعين افكارك الرسولية التي ما كانت يوماً الا في خدمة الشعب الذي وضعت يدك بيده، فكان العطاء، وكان البقاء. كنت وستبقى القائد فكراً خالداً على مر العصور والدهور. فما تركته من ارث فكري وفلسفي اغنى وكفى. في ذكرى استشهادك نستذكرك في الميدان الوطني والقومي، يوم قدّمت كل ما تملك حرصاً على عروبة لبنان وبقائه، وعلى الشراكة والتنوع، وعلى هذا العقد الاجتماعي بين اللبنانيين، فكان هذا الالتقاء على قاعدة القضية والمصير. لقد عرفناك رجل الاصلاح السياسي الذي لن يكتب له النجاح دون تحقيق العلمنة الشاملة، نشلاً للبنان من كل رواسب الطائفية المقيتة، التي جرّت على لبنان الويلات والكوارث، والتي ما زلنا نعاني آثارها حتى اليوم. فالالتقاء عند القائد المعلم التقاء بين الجميع، بين القوى المتصارعة والمتباينة للتوحد، ولصوغ برامج على طراز برنامج الاصلاح السياسي والديمقراطي الذي اطلقه المعلم في بدايات الحرب، والذي ما زال صالحاً حتى اليوم، توحيداً للبنان الشّتيت، وارساءً للديمقراطية بكل انواعها الشعبية، والاجتماعية والاقتصادية. هذا الالتقاء ينسحب كذلك على المستوى العربي، بحيث من الصعوبة بمكان عزل لبنان عن عالمه العربي، كما يقول المعلم كمال جنبلاط. وهذا يظهر بوضوح في فكره، ونضالاته، وكل كتاباته، باتجاه تطلعه البعيد المدى والافق نحو الوحدة العربية، وصولاً الى قواسم مشتركة حول ما هو مقبول تماشياً مع منطق التاريخ ومستقبل الشعوب في البحث عما هو مشترك، بهدف ما يوحّد انسانياً وكونياً .

باختصار، نستذكرك في ذكرى استشهادك، سيد الحركات التحررية، والمنظم السياسي، والديمقراطي المؤمن بالوحدة والتضامن والتماسك. فيا قائد السفينة خلاصاً للوطن، بك نهتدي وبك نقتدي.