السيادة أولاً

05 آذار 2020 08:21:00 - آخر تحديث: 06 أيلول 2020 20:47:44

يُشير أرسطو في كتابه "السياسة" الى أن السيادة هي السلطة العليا للدولة، أي الطاعة المطلقة لقوانين الدولة على اعتبار أنها صاحبة السيادة العليا ولا تعلوها أي سيادة أخرى.

ويؤكد المفكر الفرنسي جان بودان أن السيادة هي سلطة الدولة العليا المطلقة والأبدية والحازمة والدائمة التي يخضع لها جميع الأفراد رضاء أو كرهاً.

السيادة وإعلان بعبدا: ينص الدستور اللبناني في مقدمته على أنّ "لبنان وطن سيّد حرّ مستقلّ"، وأنّ "الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسّسات الدستوريّة". كذلك، فإن أبرز ما نصّ عليه إعلان بعبدا هو التالي:

• تأكيد الثقة بلبنان كوطن نهائي وبصيغة العيش المشترك وبضرورة التمسّك بالمبادئ الواردة في مقدمة الدستور بصفتها مبادئ تأسيسيّة ثابتة.

• التمسّك باتفاق الطائف ومواصلة تنفيذ كامل بنوده.

• تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليميّة والدوليّة وتجنيبه الانعكاسات السلبيّة للتوتّرات والأزمات الإقليميّة، وذلك حرصاً على مصلحته العليا ووحدته الوطنيّة وسلمه الأهلي.

لكن ما أُثبت بالممارسة أن ما تم الاتفاق عليه، بإجماع الحضور، لم يتم الالتزام به وبقي حبراً على ورق. فكانت الانتهاكات المتكررة للدستور والتي تجلّت بشكل خاص بعد التسوية الرئاسية، وكان بطلها من دون منازع الوزير جبران باسيل بغطاء من رأس الدولة المفترض أنه المؤتمن على الدستور.

كذلك، فإن مشاركة بعض الاطراف اللبنانية في النزاعات الإقليمية الدائرة تُعد انتهاكاً واضحاً لأبسط مقومات الدستور والسيادة الوطنية وإعلان بعبدا.

السيادة أساس الإصلاح: إذا كان الاصلاح السياسي هو المدماك الأساسي لأي عملية إصلاح، أكانت اقتصادية أم مالية أم أجتماعية، فإن السيادة تأتي على رأس سلّم أولويات السياسة الاصلاحية. وهي نقطة الارتكاز لاستعادة الثقة بالدولة ومؤسساتها. فالسيادة لا تتجزأ ولا تتنازل عن صفاتها لأحد ولا تقبل المشاركة مع أحد.

وإذا أردنا الانتقال من الإطار النظري الى الممارسة العملية، ليس بالإمكان البدء بمكافحة الهدر والفساد من دون ضبط المعابر الشرعية البرية والبحرية والجوية والتي تعتبر ثاني أكبر مصدر للهدر بعد الكهرباء.

وبالاضافة الى المبالغ الكبيرة التي تُحرم منها خزينة الدولة، والتي تلامس المليار دولار سنوياً، فإن مونة بعض القوى على هذه المعابر تُعد انتهاكاً واضحاً لسيادة الدولة.

كذلك، فإن المعابر البرية غير الشرعية، والتي تقدّر بالمئات، تقوّض مفهوم السيادة وما تحدثت عنه الحكومة في بيانها الوزاري حول دعم الاقتصاد الانتاجي، فنرى الاسواق اللبنانية تغرق بالبضائع المهربة فتلحق الضرر بالمزارع والتاجر والصناعي اللبناني.

السيادة والمقاومة الاقتصادية: من موسكو، أطلق الرئيس ميشال عون أمام الجالية اللبنانية ما قال عنها "المقاومة الاقتصادية"، حيث دعا اللبنانيين الى أن يشتروا من إنتاجهم وأن يأكلوا مما يزرعون! حسناً فعل الرئيس عون بهذه الدعوة، وهي تدخل في صلب التوجه نحو بناء الاقتصاد المنتج في القطاعين الزراعي والصناعي تحديداً. لكن كيف ستحمي الدولة الانتاج الوطني في ظل الاستباحة التي تتعرض لها الأسواق اللبنانية؟

إضافة الى ذلك، كيف لنا أن نطلب من الاصدقاء والمجتمعين الدولي والعربي مساعدة لبنان للخروج من أزمته الحادة التي يمر بها في ظل تغاضي الدولة عن حماية السيادة الوطنية... وأضحت السيادة، بفعل الممارسة اليومية للمسؤولين، وجهة نظر ليس إلا! السيادة وفكرة الدولة: السيادة هي أحد الأركان الجوهرية التي تبنى عليها فكرة الدولة.. هي مفهوم قانوني وسياسي يتعلق بالدولة باعتبارها تُشكل أهم خصائصها وشروطها الأساسية. أما كيفية ممارسة السيادة، فترسم أبعاد الحريّة والاستقلال.

ويبقى السؤال: أين هي السلطة العليا للدولة؟ وأين هي الطاعة المطلقة لقوانين الدولة التي من المفترض أن يخضع لها الجميع؟ السيادة والدولة صنوان، لا واحدة دون الاخرى... وباختصار شديد: لا دولة من دون سيادة.