Advertise here

وها قد حصلت على توقك في التجلي

02 آذار 2020 13:00:00 - آخر تحديث: 02 آذار 2020 15:21:21

كمالُ المجدُ أنتَ، وأنتَ صرحٌ        
يشعُ فنارُهُ، الألقُ، البهيُّ
 
تمرُّ به المراكب، وهي تعبا    
فينعش سيرَها النفحُ، الرخيُّ

لم يكن الاغتيال نهاية الرجال، ولا نهاية القضايا والرسالات. 

قلائل هم من تحمّلوا مسؤولياتهم التاريخية في اللحظات الصعبة والحاسمة. 

فالذين قتلوكَ يدركون أنك في حرمة الموت، والحقّ أكبر من أن تنالك رصاصاتهم. 

فسنابل كمال جنبلاط التي أنبتتها حبات قمحه الأصيل أكبر من أن تُعدّ وتُحصى، ولعلّ أولّها وأعرفها وأشرفها سنبلة الوليد.

سنابلُ قمحٍ عجزت عن تلفِها كلّ أوباش البراري المتوحشة من أفاعٍ، وقرود، وأنصاف الرجال. 

سنابلُ الأفكار المتنورة التي فضحت ممارسات الأنظمة العربية العسكرية. سنابل العدالة والحرية وكرامة الإنسان، بذور الوطنية والعروبة العادلة، قوت القضيّة الفلسطينية. 

لقد رحلَ كمال جنبلاط ضحيةً لحلمه في تحويل النظام في لبنان إلى نظامٍ ديمقراطي علماني يتخطّى المنطق الطوائفي المذهبي، وما ينتجه من عصبياتٍ، وتشنجاتٍ، وتجاذباتٍ، تولد الحروب الأهلية الدورية التي يدفع ثمنها الشعب اللبناني دماراً وخراباً وموتاً. 

ومن أجل تطلّعه أيضاً لدورٍ حضاريٍ رائدٍ يضطلع به لبنان في محيطه العربي، قائمٍ على نشر قيَم الحداثة والديمقراطية الحقيقية المزاوجة بين بعدَيها السياسي والاجتماعي في المنطقة. 

هذا الدور الذي أراده المعلّم للبنان، وكان على وشك تحقيقه، وجدَتْ فيه العديد من الأنظمة العربية التقدمية والمحافظة تهديداً لتركيبتها السياسية القائمة على قمع شعوبها وتقييد حرياتها العامة.

هذا المشروع الذي إذا ما نجح سيغيّر كامل الخريطة السياسية للمنطقة، ويقلب الكثير من المعادلات، وكان من نتيجة ذلك إعطاء الضوء الأخضر لاغتيال الشهيد الأكبر في 16 آذار 1977.

يبقى كمال جنبلاط، بالرغم من غيابه، حاضراً في ضمير كل وطنيٍ رمزاً نضالياً يُقتدى به، ومفكّراً تقدمياً كبيراً أغنى الثقافة العربية المعاصِرة في عطائه. 

لقد كنتَ دائماً في توقٍ إلى التحرّر من الجسد لابتغاء الألق الروحي، وها قد حصلتَ على توقك في التجلّي.