Advertise here

بين "أمير" الصيني وأمراء العنصرية اللبنانيين!

28 شباط 2020 21:57:00 - آخر تحديث: 28 شباط 2020 22:03:49

عَكَسَ "أمير" المقولة الشهيرة "اطلبوا العلم ولو في الصين"، إذ غادر هذا الشاب الصينيّ بلاده التي تحفل بالعلوم وبآلاف الجامعات بكلّياتها التي تُدرّس شتى المجالات وتجذب إليها الطلاب من مختلف أنحاء العالم، ليقصد قبل نصف سنة "جنّة الله على الأرض" لبنان، حيث التحق بإحدى الجامعات في بيروت، واتخذ من بلدة شحيم في إقليم الخروب مقرّاً لإقامته. 

في الأشهر الأولى عاش "أمير" كالأمير فعلاً- وفق ما يروي- بفضل حسن الضيافة التي هي من أبرز سمات أبناء تلك المنطقة كما في كل مناطق لبنان، وكذلك بفضل تعامل اللبنانيين معه على قاعدة أنه "فرجة" ومدعاةٌ للمرح والتسلية، كونه أولاً مختلفاً في الشكل، وثانياً يجيد بطلاقةٍ اللغة العربية مع عباراتٍ لبنانية "شعبية"، ولأنه ثالثاً يقصد الدراسة والعيش في بلدٍ تحلم الغالبية العظمى من أبنائه بهجرته إلى أيّ بلدٍ في العالم، ليس طلباً للعمل والدراسة بالضرورة، بل هرباً من جحيمٍ يتوارثونه أباً عن جدّ وعهداً إثر عهد. 

عاش "أمير" كل تلك الفترة هانئاً مستمتعاً بثلاث نِعَمٍ أشكّ أنّ لبنان يمتلك سواها حالياً: الطقس المميّز والطبيعة الجميلة والمأكولات من لحم بعجين ومناقيش ومازات ومشاوٍ، إلى أن حلّت لعنة "فيروس كورونا" على بلاده أولاً، قبل انتشار الفيروس عالمياً وصولاً إلى لبنان، لتنقلب حياته إلى محنةٍ حقيقية ومعاناةٍ يومية، إذ بات اللبنانيون، من عارفيه أو الذين يرونه للمرة الأولى، يتجنّبونه أو يطاردونه وهم ينادونه "يا كورونا"!!

أطلّ "أمير" أمس عبر وسيلة تواصل اجتماعي يرجو اللبنانيين الكفّ عن مناداته بـ "كورونا"، لما يسبّبه له هذا الأمر من ألمٍ نفسي جارح وشعورٍ بالإهانة. وهنا نسأل هؤلاء الذين يصرّون على اعتبار أنفسهم أفضل شعوب الأرض وأكثرها ذكاءً: 
1- هل "أمير" مصابٌ بالكورونا كي تنعتوه بهذا الاسم؟ 
2- هل "فيروس كورونا" يصيب الصينيين دون سواهم كي نلصق صفته بهم حصراً؟ 
3- ماذا عن اللبنانيين الكثر المصابين بالكورونا، وبعضهم يسرح ويمرح بيننا جاهلاً إصابته به، أو مدركاً ذلك؟ وهل تجرؤون على مناداة أحدهم بـ "يا كورونا"؟
4- ما الذي اتخذته حكومة "المتنمّرين العنصريين" من إجراءاتٍ، سوى الدعوة إلى عدم الهلع، تُضاف إليها نصائح شعبية بالإكثار من شرب اليانسون (أو العَرَق)، وسيلٌ من النكات والصور المستهترة والتعليقات التي وصلت حدّ السخافة، في مقابل إجراءات حجرٍ صارمة في الصين واختباراتٍ طبّيّة متواصلة بدأت تثمر شفاءاتٍ لمصابين بالكورونا هناك؟ 
إنّه "الشرش اللبناني" الذي يجعل المواطن- الضحية يبحث عن ضحيةٍ أخرى ليخفي فشله وإحباطه ويبدّد بالوهم مخاوف واقعية تهدّد حياته ولقمة عيشه، بدل أن ينتفض لمحاسبة المسؤولين عنها وإرغامهم على اتخاذ إجراءاتٍ عمليّة يكون هو أيضاً شريكاً فيها، لا ساخراً من "أمير" وغيره من بني البشر.

الآراء الواردة في هذه الصفحة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جريدة الأنباء التي لا تتحمل مسؤولية ما تتضمنه