Advertise here

أفغانستان أمام مرحلة جديدة

28 شباط 2020 07:58:00 - آخر تحديث: 28 شباط 2020 08:52:32

المباحثات الداخلية الأفغانية ستبدأ بعد توقيع الاتفاق بين الخارجية الأميركية وممثلين عن حركة «طالبان»

يُمهد الاتفاق بين الولايات المتحدة الأميركية وحركة «طالبان» الأفغانية لمرحلة جديدة في البلاد؛ بعد حروب متنوعة ومتعددة على مدى أكثر من أربعين عاماً. وقد ترافق إعلان وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو على توقيع الاتفاق في 2020/2/29 مع الإعلان عن فوز الرئيس أشرف غني بولاية رئاسية جديدة، بعد أن أُعيد فرز أصوات 2,7 مليون ناخب شاركوا في انتخابات 28 سبتمبر/أيلول 2019، وأعلنت اللجنة المشرفة على الانتخابات حصول الرئيس غني على 50,64% من الأصوات، وقبِل منافسه عبدالله عبدالله بهذه النتيجة.

حركة «طالبان» المُتشددة، والتي تسيطر على ما يقارب من نصف مساحة البلاد، قبلت بالتفاوض مع الحكومة الشرعية برئاسة غني؛ بعدما كانت ترفض مثل هذا التفاوض لمدة 18 عاماً. والوزير بومبيو قال: إن المباحثات الداخلية الأفغانية ستبدأ بعد توقيع الاتفاق بين الخارجية الأميركية وممثلين عن حركة «طالبان»، وهذا هو الأهم في سياق التطورات الجارية؛ لأنه سيرسم مستقبل البلاد التي مزّقتها حروب طويلة.

بعض الالتباس الدبلوماسي لا يزال قائماً حول تفسير مضمون الاتفاق بين الطرفين، فبينما تعد واشنطن أنه يتضمن تعهداً بسحب القوات الأميركية المتبقية في أفغانستان، والبالغة 12 ألف ضابط وجندي بشكل «تدريجي»، تقول «طالبان» إن الاتفاق ينص على انسحاب القوات الأميركية إلى جانب حلفائها بشكل فوري وشامل، وهي تعد أن وقف إطلاق النار في البلاد لا يشمل المواقع العسكرية، ومقرات المحافظات، بينما تقول الدبلوماسية الأميركية: إن وقف إطلاق النار يشمل كل المواقع والمناطق.

من المؤكد أن تغييرات هائلة ستعقب توقيع الاتفاق في 29 فبراير/شباط الحالي، والتعب بدا واضحاً على كل الأطراف المعنية في النزاع. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يريد بؤر استنزاف خارجية، قد تنعكس سلباً عليه إبان الانتخابات الرئاسية في سبتمبر/إيلول القادم، والرئيس أشرف غني يرغب بتغيير قواعد الاشتباك الداخلي مع أطراف المعارضة الأفغانية؛ لأن هذا الاشتباك استنزف مقدرات البلاد، وزاد من منسوب المآسي الإنسانية والمعيشية، وفاقم الهجرة الداخلية والخارجية للشعب الأفغاني، والأهم من كل ذلك، فإن استمرار التفجيرات الإرهابية والاقتتال الداخلي أنهك القوات الحكومية، وأتعب الشعب الأفغاني بكل فئاته.

أما حركة طالبان التي حكمت البلاد ما يقارب 10 سنوات قبل دخول القوات الأميركيةوالأطلسية في العام 2001، فيبدو أنها هي الأُخرى سلَّمت بواقع الحال الضاغط، وقبلت بإجراء مفاوضات مع الحكومة الشرعية، بعد أن كانت تعتبر أن هذه الحكومة بمثابة «دمية» بيد قوات الاحتلال الأميركية. وقد دفع تنامي الحركات المتطرفة الأخرى مثل «داعش» بحركة طالبان إلى المفاوضات مع الأمريكيين ومع الحكومة الشرعية؛ لأن بعض التنظيمات المسلحة و«الإرهابية» بدأت تُعلن تمرداً واضحاً على السيطرة الطالبانية، لاسيما في المناطق الجنوبية والشرقية.

كل الأطراف المشاركة في المسار التفاوضي الأفغاني الجديد تحتاج إلى تغيير قواعد الاشتباك، وهي جميعها أدركت أن استمرار الوضع على ما هو عليه سينعكس خسائر سياسية ومادية وبشرية من دون أرباح.

فالقوات الأميركية التي خسرت ما يزيد على 2400 ضابط وجندي منذ دخولها للبلاد، لا تستطيع أن تتحمَّل خسائر بشرية إضافية، والقوات الحكومية الأفغانية أُنهكت في عمليات التصدي للأعمال العدائية في شرق البلاد وجنوبها، ومن التفجيرات الإرهابية التي تطال العاصمة والمدن الأخرى، وحركة طالبان وصلت إلى قناعة واضحة بأن إحداث تغيير جذري في أفغانستان، بما في ذلك تحقيق هزيمة شاملة للحكومة من الفرضيات المستحيلة.

تبدو الأجواء الجديدة مُهيئة لتطبيق توليفة سياسية شاملة تؤسس لمرحلة جديدة في أفغانستان، وبدء تطبيق وقف إطلاق النار يُعتبر من المؤشرات الواضحة على هذه الأجواء الإيجابية الجديدة، كما أن إنجاح الخطوة الثانية في إجراء التبادل للأسرى بين الفريقين الداخليين، يعتبر سابقة لم تحدث من قبل. فهناك ما يقارب 5000 من كوادر طالبان محتجزين لدى القوات الحكومية، ولدى طالبان ما يزيد على 1000 أسير من القوات الحكومية، بينهم ضباط وقادة لهم شأنهم في الدولة.

لكن الاتفاق السياسي إذا ما حصل لا يكفي بطبيعة الحال لتجفيف منابع التوتر في أفغانستان، فالبلاد أمام مخاطر كبيرة ناجمة عن تنامي البطالة والعوز، وهي من أكثر دول العالم فقراً، ولا يتجاوز دخل الفرد السنوي 590 دولاراً، بينما يعتمد ثلثا سكان البلاد على الزراعة البدائية، وقد انتشرت زراعة الأفيون في السنوات الأخيرة بشكلٍ مُخيف، ويدفع السكان أكثر من 3 بلايين دولار سنوياً رشى لتسهيل أمورهم الحياتية بسبب الفساد المستشري، وبسبب تقطّع أوصال مناطق الدولة، علماً أن موازنة الدولة لا تتجاوز 5,5 بليون دولار، وتعهدات مؤتمر الدول المانحة الذي عقد في بروكسل عام 2016 لم تدفع بأغلبيتها.